الجمعة، 11 نوفمبر 2016

مقال بقلم الأديب والشاعر حيدر وطن.....سورية..سلمية

((هل جفّتْ الأقلام.. عند شباب سلمية..؟!
*****************************

ليس كلّ ما يتمنّاه المرء يدركه ==
              **** تجري الرّياح بما لاتشتهي السّفن..!!

أرجو أن تحظى هذه المقالة باحترامكم، وتقديركم، لما فيها من حثّ  وتشجيع الأخوة القرّاء على تدوين آرائهم،وتدبيج مقالاتهم في مختلف شجون، وهموم الحياة،وفي مختلف الفنون الأدبيّة: النّثرية منها، والشعرية.والله الموفّق.

هذا المقال: راود مخيلتي ليكون افتتاحيّة للعدد الأوّل من مجلّة دورية، تصدرها  اللجنة الثقافية في إحدى جمعيات المجتمع الأهلي التي تعنى بالثقافة ،منذ أن تقرّر إنجازه،والذي أطمح بل أريد أن يكون بداية،لإطلالة مجلة دوريّة،غنيّة بموضوعاتها،ومنهجيّة في دراساتها ،وبحوثها، ومتشعبة في آفاقها المعرفيّة،ومتنوعة بحواراتها،التي تعزّز ثقافة الحوار،وتحترم الرأي الآخر،ومزيّنة بإبداعات روّادها  نثراً ،وشعراً، ولن يغني هذه المجلة،بهذا الحشد المتنوع من الموضوعات،إلا مساهماتكم وإبداعاتكم، ومقالاتكم نثراً، وشعراً،وأعتقد بل أجزم أنّ الحراك الثقافي في سلمية،بلد الشعر، والفكر، والثقافة، والذي تشهده الجمعيّات الأهليّة،و المنتديات والملتقيات(مثل الملتقى الأدبي) ،والملتقى الثقافي لأنشطة الشباب في الفنون الأدبية والموسيقا وفنّي الرّسم والنّحت، ومختلف أنشطة المراكز الثقافيّة الفكريّة، والثقافية، والأدبيّة،على صعيد الريف، والمدينة،إن ّكلّ هذه الأنشطة بغزارتها وتنوّعها،لهي جديرة بالاحترام،والوقوف عندها كعلامة فارقة،في نهوضنا الثقافي والمعرفي،نحو آفاق التجدّد، والتطوّر الذي نطمح لبلوغهما في عصر تتكاثف فيه الرؤى الضبابيّة،والمناهل الثقافية، والتي إن لم نتروّ في تشربّها، أو استقائها من منابعها الثرّة، والأصيلة،نكنْ مثل من يريد العبور إلى الضفة الأخرى من شاطئ المعرفة،دون قارب ولا مجداف،وسط تيّار جارف،يقذف في عبابه،كلّ مايهضمه، وما لايهضمه عصر العولمة من ثقافات دخيلة، وغريبة عن واقعنا،ومجتمعنا.ونحن في مجتمعنا الأهلي، مع تنوع وتمازج الثقافات..ولكن فقط التي تجعلنا نقف على أرض صلبة،راسخي الجذور،عميقي الامتداد..نحو الأصالة التي نطمح لتطويرها،ونحو إحياء تراثنا، من أجل إغناء حاضرنا،وقطف مايناسبنا من ثمار المعرفة، وثقافة العولمة،لنزيّن بها عوالمنا الذاتيّة، وإشراقتنا الثقافيّة الخارجيّة،في إطار نحفظ فيه كياننا، وآدابنا،ولكن نزيّنهما بزخارف وفنونٍ متنوعة،تضفي على هذا الإطار جمالاً أخاذاً،وروعة، تلبسان المعنى، والمبنى لثقافتنا،وآدابنا رداء من الأصالة؛وزينة من الثقافة الراهنة،لنواكب عصر التطور والعولمة،ونلحق بركب الحضارة الحديث.

وبرأيي أنّ إبداعات شبابنا،لم... ولن يتوقف سيل إنتاجها،مادام عندهم عزم وتصميم على الاستمرارية في الإبداع الأدبي،ولن يتوقف إبداعهم مادام هناك مداد في أقلامهم،يسطرون به نتاجاً جديداً،لم يسبقهم إليه أحد،في عصر من العصور الأدبيّة السالفة،أوفي أيّ زمان، أومكان.وكلّ يوم نسمع عن شاعر أوكاتب ،نبت في تربة هذه المدينة المعطاءة،حصد جائزة في الشعر، أو القصة أو المسرح، ممّا يؤكد على وجود بذور الابداع الصالحة للإنبات في حاضر هذه المدينة ومستقبلها.كلاّ، لم.. ولن تجفّ الأقلام،مادام مدادها لم ينضب،ومادامت دماء الإبداع تتدفق في شرايين الشباب،وكلّما سطع نجم في الدّجى،ولد شاعر جديد،وكلما سقط شهاب من قبّة السماء ،ولدت قصيدة جديدة،أنارت دياجير ظلام حياتنا، ومافيها من جهل، وتخلّف.إنّ نور العلم والمعرفة لن ينطفئ،وقناديل الأدب (نثراً وشعراً)ستظلّ تضاء بزيت وضّاء من إبداعات شعرائنا،وخير دليل على ذلك ماكتبه  أحد النقاد الأدباء(1)

(زمن القصيدة لم ينته،كما يحاول البعض أن يوهمنا).

وشاعرنا الراحل الكبير محمود درويش،قبل أن يرحل وجّه نصائح إلى الشعراء الشباب،نجدها مناسبة لكلّ مبدع، يرسم خطواته في مسار طويل:

((لاتصدّق خلاصتنا،وانسها..
وابتدئ من كلامك أنت،كأنّك..
أوّل من يكتب الشعر،
أو آخر الشعراء..!

وأمّا قول عنترة بن شداد في معلقته:

هَل غادَرَ الشُعَراءُ مِن مُتَرَدَّمِ  ==     أَم هَل عَرَفتَ الدارَ بَعدَ تَوَهُّمِ

يقول أبو القاسم الزجاجي يقصد: أي عنترة في هذا البيت :(هل تركوا وجها للمقال، لم يقولوا فيه.؟).

ويقول آخر:(ومن المعنى الأول قول عنترة: "هل غادر الشعراء من متردّم؟" أي ما تركوا كلاماً لمتكلّم. وهذا القول أنكره الكثيرون،لأنّ المعاني تتولّد بتولّد الأزمان).
فأما ابن قتيبة فقال:(لم يقصر الله الشعر والعلم والبلاغة على زمن دون زمن، ولا خصّ قوماً دون قوم، بل جعل الله ذلك مشتركاً مقسوماً بين عباده في كل دهر، وجعل كل قديم حديثاً في عصره).

ومما يؤيد كلام ابن قتيبة كلام علي ابن أبي طالب ، كرّم الله وجهه:  "لولا أنّ الكلام يعاد لنفد" فليس أحدنا أحق بالكلام من أحد، وإنما السّبق، والشرف معا في المعنى على شرائط، نأتي بها فيما بعد من الكتاب إن شاء الله".

وقول عنترة هل غادر الشعراء من متردم، يدل ّعلى أنّه يعدّ نفسه محدثاً، قد أدرك الشعر بعد أن فرغ الناس منه، ولم يغادروا له شيئاً، وقد أتى في هذه القصيدة ،بما لم يسبقه إليه متقدّم، ولا نازعه إياه متأخر. وعلى هذا القياس يُحمَل قول أبى تمام ، وكان إماماً في هذه الصناعة غير مدافع :

يقول من تقرع أسماعه ==        كم ترك الأول للآخر

فنقض قولهم "ما ترك الأول للآخر شيئاً" وقال في مكان آخر فزاده بياناً وكشفاً للمراد:

فلو كان يفنى الشعر أفناه ما قرّت   ==      حياضك في العصور الذواهب
ولكنّه صوّب العقول: إذا انجلتْ  ==       سحائب منه، أعقبت بسحائب

(وإنما مثل القدماء والمحدثين كمثل رجلين: ابتدأ هذا بناء فأحكمه، وأتقنه، ثم أتى الآخر فنقشه، وزيّنه، فالكلفة ظاهرة على هذا، وإن حسن، والقدرة ظاهرة عليه، وإن خشن).

وخلاصة القول:نقول لكلّ مشكك،الأقلام لاتجفّ،والشعر لايموت،كان منذ عصور الجاهليّة، وسيبقى أحد أهم قنوات الاتصال مع الآخر،وكان أجمله يشيع الحبّ والجمال،وينشر السلام والمحبّة بين بني البشر..!!

وفي عالم اليوم،نريد للشعر أن يصلح  ماأفسدته أخلاقيات  "العولمة"، ومتغيّرات العصر،نريد للشعر أن يبعث الإرادة في النّفوس،ويضيء متاهات دروبنا المظلمة،ويعيد إحساسنا بالمدى والوجود، والنّدى، والجمال..!!هكذا يبقى الأدب في قلوبنا، وقلوب شبابنا، ينبض بالحياة،وهكذا تبقى أقلامهم، تسّطر آيات الإبداع في كلّ لون وفنّ، وفي كلّ زمان ومكان..!!

(1) الدكتور علي القيم رئيس تحرير مجلة المعرفة في العدد/549/ من المجلة المذكورة،وتحت عنوان:(هل مات الشعر؟).

حيدر وطن
سورية..سلمية
11/11/2013م

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق