التماهي ( الفكر ، حسي) في " كيف ترثيه " للشاعر قصي الفضلي
بقلم - باسم عبد الكريم الفضلي
يسعى الشاعر قصي الفضلي بثبات ، كي يخط له طريقا مستقلاً ، بين أسماء تحاول احتلال الساحة الشعرية العراقية ، منهم بحق ومنهم مدعٍ ، فنجده يحاول الإتيان بصور شعرية خاصة به لم يسبقه إليها أحد كقوله :
كيف ترثيه
وبقايا الغروب
تحمل روحَه إليك
... فهنا مقاربة ( دلالية ) بين الرثاء ( تذكار فضائل من مات ) و( الغروب) الإيذان بإنتهاء أغاني الشمس وبداية ( حشرجات ) الظلام ومن مرادفاته الوحشة و الغربة و.. الإنزواء بعيداً.. ويعزز مديات إشاراته تلك بقوله :
تردده ظلال ملامحك
أهزوجة بحروف تمْضُغُ
ذراتِ ترابهِ الأسمر
فهو يؤكد أن هناك ( ظلال / مرادف وجود) لملامحها ( وهي قد تكون حبيبة أو محض رمز ثوري أو قيمة إنسانية مطلقة ) تلك الظلال عبارة عن فرحة ( أهزوجة ) وإن كانت تكابر فتمضغ ( ربما للإنتشاء ) ذرات ترابه ( الذرات أساس الكينونة المادية ـ هنا الشاعر وظف مفردات علمية وفق مفهوم التكامل الرؤيوي للأشياء ـ وهذه تحسب له ) المحدد لونها بـ( الأسمر ) فهنا تكمن تميزية شاعرنا حينما يموضع ( لونياً ) مكانية ذالك المقصود بالخطاب ، ويشعرنا أنه عراقي ، فالعراقيون معروفون بسحنتهم السمراء ، ويواصل شاعرنا ذلك التماهي الفكر/ حسي بقوله :
بعدد الخطوات
تمر على باب قبره
حيث يولد حرف ليموت آخر
فالخطوات نتوقع منها أن تقودنا إلى مكان ما، أو تقطع طريقاً أو درباً ما ، لكننا ننتهي إلى أنها ( تمر على باب قبر )!! هنا مقابلة ذكية غير مطروقة بين الحياة ( فعل السير / الإنتقال وهما ماتوحي بهما الخطوات ) والموت ( برمزية القبر ) ، كذلك الفعلان ( يولد / يموت ) ، الحسيان وفاعلهما رمز الفكر ( حرف ) ، ثم يأتي السؤال :
كم مرة ..؟
ليمثلَ انتباهةً فكرية تُهَيّءُ القارئ لانتقالة حسية ترسمها الصورة :
غمرته صورتك المتشجنة
الموغلة في ظله
فالفعل ( غمر ) ذا إيحاءٍ انفعاليٍّ مُشعِرٍ بالإحاطة من كل جانب لكن ( صورتك ) تناقضه دلالياً فهي غير ممتدة ولا متحركة الأركان / جمودية التشكُّل ، وهنا وُفِّقَ شاعرنا في خلق حالة توتر معنوية تجسد ذلك التماهي بأروع كيفية ، ويسترسل في قوله ليؤكد ذات السؤال ولذات الغاية :
كم مرة ..؟
هَمهمَ نبضه بلغة
الغمُوض
حيث تقبعُ مفرادت الجنون
على صفحات ذكرياته
ليحل موعد غروبه الأخير
يبحث عن روحه
بين حفنات أقلامك العتيقة ..
فبين ( همهم / تقبع / يحل / يبحث ) وفواعلها ( نبض / مفردات / موعد / الضمير المستتر ) تقابلات متناقضة السببية ظاهرياً ، وغاية بالتوفيق بنائياً ، من أجل تحقيق غرض التماهي ، وتشعرنا مفردات ( الغموض / الجنون / غروب / روح / حفنات / العتيقة ) بتراكم صوري ينوء تحت سطوة اللوعة / الأمل ، ليؤكد الشاعر مفهوم ( تعدد الاشارات )وتلونها فكرياً / حسياً ، بما يمثل مكافئاً معنوياً لمفهوم الصراع النفسي المحتدم في وجدانه ، ويقول :
على أوراق
مكدسة هي عبارات الحب
بحروفك اكتبي تعويذة
شعركِ..
لتُزوّر حواس عشقه
على باب قبره
حيث يولد حرف
ليموت آخر ..
فندخل في حالة حوار مع النص محاولين تفكيك ذلك التلازم بين أفكار الشاعر وأحاسيسه ، و الوقوف على أسرار بُنى صورة وجمالية نحتها ، لغرض التماهي ، فعبارات الحب مكدسة ( عبثيةُ الفعل) ، وتعويذة الشعر تزوّر الحواس ( قصدية الفعل ) ، وهو يكرر عبارة سابقة ( على باب قبره ... حيث يولد حرف ليموت آخر ) لتأكيد حالة التداعي النفسي في إطار الوعي الواثق من أدواته ، ويختتم الشاعر نصه بقوله :
بسكون صمتك
ودعي ضياعك منه
بتراشق الجفونِ ..
حكاية عشق
يرويها الأموات
لتذهبت ضحكتك العارية
تلهثُ خلفه بلا
روح ..!!!
وكأنه يُصرُّ على تعميق تماهيه ذاك ، بسكون الصمت ، ووداع الضياع ، وتراشق الجفون ، وعري الضحكة ، كل هذا ينتهي بالموت ( بلا روح ) / أفهو موت مادي أم حسي ، أم الاثنان معاً ؟ هنا يكمن سر التماهي في نص شاعرنا ..
" كيف ترثيه "
للشاعر : قصي الفضلي
كيف ترثيه
وبقايا الغروب
تحمل روحه إليك ...
تردده ظلال ملامحك
أهزوجة بحروف تُمْضَغُ
ذرات ترابه الأسمر
بعدد الخطوات
تمر على على باب قبره
حيث يولد حرف ليموت آخر
كم مرة ..؟
غمرته صورتك المتشجنة
الموغلة في ظله
كم مرة ..؟
هَمهمَ نبضه بلغة
الغمُوض
حيث تقبعُ مفرادت الجنون
على صفحات ذكرياته
ليحل موعد غروبه الأخير
يبحث عن روحه
بين حفنات أقلامك العتيقة ..
على أوراقك
مكدسة هي عبارات الحب
بحروفك اكتبي تعويذة
شعركِ..
لتُزوّر حواس عشقه
على باب قبره
حيث يولد حرف
ليموت آخر ..
بسكون صمتك
ودعي ضياعك منه
بتراشق الجفونِ ..
حكاية عشق
يرويها الأموات
لتذهبت ضحكتك العارية
تلهثُ خلفه بلا
روح ..!!!
تقديم النقد الأديب والشاعر الأستاذ باسم الفضلي
العراق ..بغداد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق