الاثنين، 19 ديسمبر 2016

خاطرة بعنوان { قضية كونية } تأليف الكاتب جمال أبو ريا/فلسطين/الجليل/سخنين

قضيه كونية

جلست والخوف بعينيها لا لتتأمل فنجان مقلوب،، وإنما جلست والخوف بعينيها لتتألم على قدرٍ كان على جبينها مكتوب.

فلم تُضيٍع وقتها كثيراً في البحث والنبش في قصائد قباني ولا أغاني عبد الحليم ولم تستمع لقارئة الفنجان بأن سماءها ممطرة وطريقها مسدود.

جلست، تنهدت، بكت، كتبت:

في بلادي يا سيدي يحمي القانون المرأة بشروط: أن يسيل دمها، أو أن يكسر ضلعها، أو أن يشوه وجهها، ولا بأس ببعض الكدمات على جسدها، فهذا أيضاً دليل مقبول، وبرهان على أنها اضطهدت فعلا، أما إن أهينت فقط، حرمت من حقوقها فقط، تعرضت للترهيب فقط، فتلك أمور بسيطة، عليها أن تتجاوزها بقليل من الصبر فقط، ولا داعي لإزعاج فخامة القانون.

يا صانع القانون في بلادي، أليس القانون عدلاً؟ أيعقل أن يكون صانع العدل دموياً هكذا؟ ألا يرويك إلا دم أريق من امرأة؟ ألا يجبر خاطرك إلا كسر ضلوعها؟ وكيف صنعت من جروحها بلسماً لجراحك؟

إن كنت قد خدعت قبلاً من امرأة يا شهريار، وذقت منها من الويلات ما جعلك تنفث سمك على كل النساء ، وتسعى للإنتقام لنفسك، بتقديمهن قرابين لكل غول في ثوب رجل، وأنت تلبس ثوب العدالة، إن كان ذاك هو السبب، فدعني أخبرك أن تلك التي أوجعتك لا تمثل كل النساء، لم توجعهن بها إذاً؟

وإن كان في الأمر شيء آخر ، ليس لهن فيه ناقة ولا جمل، فرفقاً بالقوارير يا سيدي، رفقاً بالقوارير.

باسم الحق وباسم العدل، سأشتكيك يا صانع القانون إلى قانونك، ولتسخر من كلامي هذا إن شئت ، لكن أنصحك ألا تضحك كثيراً لأنني أعلم جيداً أنه مثلك، لا يقتنع إلا بدليل ، رغم أن جرمك واضح، كوضوح القهر على وجه زوجة تعودت على الضرب آخر كل ليلة من زوجها السكير، حارق كحرقة دمعة في عين أم تبكي طفلها الذي شق جسده وحش بشوكة أذبلت كل زهوره، صارخ كاستغاثة عذراء شريفة وهي تطلب إنقاذها من مجموعة منحرفين يقودونها غصباً إلى وكر الشياطين.

أخبرني بالله عليك، هل هناك جرم أبشع من هذا؟ أوليس هذا برهانا قاطعا يدينك؟ ورغم ذلك لا زلت تشترط الدليل. سآتي بالدليل، بل إني أملك الحجة البالغة؛ في قلبي هذا يا سيدي -إن كان لديك قلب- أحمل كل آهات نساء الكون على مر العصور، كل أوجاعهن، والأهم كل جروحهن، لأن الجروح هي الدليل، وها هو قلبي دامياً أمامك؛ لا يا هذا، إن هذا ليس سراباً، بل هو أصدق جرح عرفته روح امرأة قبل أن يعرفه جسدها، عبر كل تلك الأزمان.

أجل، ستكون هذه حجتي، وسأجعل منها قضية، قضية كونية. سأقاضيك بها أمام الملأ، بتهمة اغتيال كرامتي وجعلها من قانونك مادة ملغية، ولن أرضى إلا بحكم يلقيك أنت وكل الغيلان، الذين تغذوا ونموا في حديقتك القاحلة، في بحيرة منسية.

أليس قانونك قاحلا وهو يغرس في كل تربة خصبة أشواكاً تشوهها، وطفيليات تتسلق أشجارها فتكسر أغصانها، ثم تطلق عليها الديدان لتترك برهاناً قاطعاً يشي باعتدائهم على ثمراتها؟

لن أرضى إذاً إلا باقتلاعكم من تلك الأرض ولن أهدأ حتى تصير قضيتي أسطورة أبدية.

جمال أبوريا
فلسطين الجليل  سخنين

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق