قراءة في قصيدة ( 8 )
القصيدة - دعوة ناسك - للشاعر أحمد حضراوي
قد كان أصغر طهره، متبتلا
كشف الحجاب ليختلي بهواك
في طلعة كالماء يغمر ثغره
في أوبة الظمأ العظيم أتاك
.. بعد دعوة الشاعر المتميزة تلك لمحبوبته والتي لم أرى لها مثيلا ولا رقيا فيما اطلعت عليه من أدب الدعوات والشعر معا، وبعد تحول قلبه - محراب عبادته - نحو الهدى بعد الضلال، تبدأ الحكاية، حكاية الحب، ويبدأ سردها من خلال صور غاية في الجمال يجعلنا نعايشها وكأنما نعاينها واقعا أو نشاهدها مرسومة بيد فنان ذو حساسية فائقة.
فالنص يفيض بالصور البلاغية غير النمطية، ويزخر بالتشيبهات التي تقرب المعنى، وبالإستعارات التي تعبر بنا إلى وجدانه تجعلنا نشرف على معاناته لنتفاعل معها لا إشفاقا ولكن تفاعلا إيجابيا يدفعنا إلى المتابعة باهتمام حتى آخر حدث فيها.
هي حكاية حب ككل الحكايات لكنها فريدة بتفرد مبدع سردها وقدرته على الصياغة، أحيانا يكون صريحا واضحا، وأحيانا يلمح لنا فيترك للخيال سعة ممتدة يجوبها الذهن محاولا التقاط المعنى أو التقاط الحدث أحيانا أخرى .
يجول بنا بين عقله ووجدانه وحسه والواقع الذي عاش أحداثه ليكتمل لنا سبر غور ما حصل بالفعل.
بطلة القصة حاضرة فيه - أي في وجدان الشاعر وليس معه، حاضرة في ذاك المحراب، لا في واقعه، وتطل علينا من خلال إحساسه بها، فالشاعر هنا هو الراوي وهو الفاعل والمنفعل. المتأثر والمؤثر وغيره من الشخصيات توصف ولا تحضر حضورا حقيقيا.
فمبدعنا يقدم معاناته هو كما عاشها وبكل الصدق، لكنه هو الحاضر الفعلي الوحيد.
بدأ القصيدة بكشف حجاب حبه لها، ذاك الحب الذي كان أقل ما يقال فيه أنه انقطاع تام عن سواها، وتوبة نصوحة عن هوى غيرها، حتى طهر قلبه من حب غيرها، ووصل هذا الحب في ارتقاء روحه ونفسه كما ترتقي الماء ثغر الإنسان كناية عن الغرق، أو الإقتراب منه.
وكيف لا يكون ذاك وقد عاد وهو في حالة الظمأ الشديد لها ولحبها، وكيف لا يتعرض للغرق أو يكاد وهو الذي يحاول أن يرتوي، أو بالأحرى يعب مما هو عطش له بل في أشد حالات عطشه واحتياجه..
جميلة الكجك
الأردن عمان
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق