الثلاثاء، 4 أبريل 2017

نص قصصي بعنوان { أينا أقرب إلى الله ... } بقلم الأديب الكاتب القاص والشاعر/ أحمد بو قراعة /تونس/حمام سوسة

نصّ للكاتب أحمد بو قرّاعة
أيّنا أقرب إلى الله
****************
مستكرشٌ غليظ العظم ناتىء العين مفرّج بين رجليه كمن في وركيه عيب أو حرج كثيف اللّحية يمشّطها باصابع رقيقها كعود الحطب المشمّس لا يني يحرّك وسطا ركب بعضه فوق بعض كراقصة بها حنين عظمت و ترهّلت يقف على خفّي جمل إن حرّك كاد يبرك و لهما جلجلة كعين خائنة تخرج من بيتها تقبقب تلفت الأبصار التّافهة الباحثة عن الرّذيلة.
نظر إليّ شزرا واحتقارا و حدّق في ثوبي الأبيض بعينه النّاتئة الجاحظة و سمّر نظره المخيف على السّمّاعتين المتدلّيتين على صدري ثمّ إلتفت إلى المرأة المتوجّعة الملتوية ألما على الكرسيّ المتحرّك تدعو:
"يا الله بربوبيّتك و رحمتك و قدرتك خفّف عنّا ألما من مرض أقعد و اوجع و أبكى"
غلّظ شفتيه و قرن حاجبيه و رفع في وجهها يدا كسكّة المحراث القديم حتّى خلته يهمّ بصفعي و قال لها :
_"لو دعوت بهذا في مسجد لَأَمر ٌبشفائك يهبط من السّابعة.

أتتوجّعين في هذا الممرّ الضيّق يدفع هذا بك الكرسيّ و تطلبين الآن منه الشّفاء في هذه الزّحمة من الأمراض و الأدوية و الرّوائح الكريهة "
كان زوجها يرافقني دمعتْ عينٌ و تقطّعتْ أنفاسٌ،لم تكن تظهر عليه سمات معرفة أو علم ،رجل من سواد النّاس بسيط يمسّح شعر زوجته المخلوط بالبياض و يمسك يدها ويرجو منّي رفقا أدفع بها الكرسيّ نحو جناح الأمراض الخبيثة يبكي نشيجا يطلب رحمة من الله و لطفا،و رغم أنّ الطبّ عمل إنساني شريف و رغم أنّ الإحساس بآلام الآخرين فطريّ في كلّ إنسان فإنّ الأعوام ثلّجت فيّ ذلك الشّعور فسنوات الطّب الأولى كانت ألما أعيش  و أكابد و أحمل وجع النّاس تشكو أعضائي وخز الإبرة و عصرة العلّة و ذبل ذلك مع الأيّام حتّى صرت أبارك نفسي إن أحسّتْ مرّةً بألم مريض ،كنت مداويا إنسانا كادت الأيّام و التعوّد و الكثرة أن تسلب أشياء كثيرة من ذلك الإنسان ،و صارت معاناة العلّة و عيشها في تباعدها عن مجرّد الإحساس كمرج البحرين لا يلتقيان،و نظر الزّوج الباكي لزوجته المتوجّعة اشفاقا و خوفا عليها ،و حدّق في وجه المستكرش ملّيّا ثم نظر إلى السّماء إسترحاما و طمعا و يقينا فأجرى الله لسانه بكلام أكاد لا أعرفه و ما استطعت له ترصيفا أو تصفيفا و قال له:

_هبْ بيوت الله كلّها اجتمعتْ في بناء فهل وسع ذلك البناء الله؟ الله أوسع من خلقه جميعا ،أقيّدْتَ واسعا لا يحصرُ و لا يقيّدُ؟ و هل قال "ادعوني في المساجد فقط أستجبْ لكم " و كم مستندا إلى سارية كان كذّابا و مرائيا ،و كم سارقا ثنى على تلك البسط ركبتيه يدعو الله بشفاهه ،و ذلك المحراب كم مخادعا حرّك فيه بكلام لسانه .و كم رجالا دخلوا تلك
البيوت و خرجوا منها وفي قلوبهم فقط "اعمل لدنياك كأنّك تعيش أبدا"كم داخلا بيوت الله بدنيا يستزيد الله منها مخادعا ب"الحمد لله" أدخلتها مرّة واحدة بهذه الكرش ؟ أمّا نحن
فالوجع منسينا الدّنيا و الألم يصفّي الدّعاء و الدّمع منّا تذلل و رهبة و رغبة وإخلاص ،نحن المسلّمين بالقضاء نرجو من الله لطفا و تخفيفا و شفاء ،ما طلبناه بدنيا أو لدنيا ،دعاؤنا نحن المتوجّعين المتفجّعين المتألّمين الصّابرين على أكل لحم يُنْبتُ لحما أصدق أم دعاء الأصحّاء المستكرشين الواقع لحمهم فوق بعض لا يهتدون إلى الله سبيلا و لا يعرفون إلى الكلمة الطيّبة طريقا ".
ثمّ سكت و قبّل يد زوجته الهزيلة يقول :يا الله ...يا واسع....يا الله ...و نظر إليّ و قال :يا طبيب أيّنا أقربُ إلى الله

أحمد بو قراعة
تونس حمام سوسة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق