من زنجي ّ إلى موريّ
لقيته مصادفة بمدينة "سوسة" زنجيّ غليظ .فاحم اللّفظ و لكنّه متعب مكدود.قال تركت هنالك ما ترى في هذه الكلمات إن استطعت ألقها للنّاس و قل هي من زنجي إلى موريّ قالها منذ ثلاث عقود فهي كما ترى متأخّرة في الشّعر كحالنا لم تتبدّل .أمّا طريقي إن استطعت بلاد الصّقيع و الثّلج علّني إن صار لي فيها أحفاد ربّما سطا على خلقهم بعض ثلج.
**الأولى..
عــــــــواء شــــــــــوط
في نهر العالم المسبوك من جثث الشّعراء
و الزّنوج الفقراء و الأنبياء و المجاعة
يرتاح وجه الأمير
وجه موريّ جميل
و تاج الأمير المرصّع بالدّماء
و يرقد الكلاب و اللّصوص الأغبياء
و عروة في الشّارع يبكي
مخلوع الرأس يعانق الحلاّج و الفقراء
و يرفع الأسمال...هذه تاج الزنوج
والشّعر و الشعراء
و الكادحين إخوة الشمس و الأبرياء
في نهر العالم المسبوك من جثث الشّعراء
و الزنوج و الأنبياء و المجاعة
يعانق الأمير الأميرة
و ترقص الشهوة في تجاويف الفضاء
و الجسم خمر و الكلام خميلة
و كلاب القصر تنبح
في "عواق شوط"يولد اليوم المسيح
و النوء و الأمطار و الرّيح
يولد...
في السّوق قالوا ولد اليوم مسيح
خبّروا العالم أنّ أرضنا تلد المسيح
في كلّ آن يلد القصر مسيحا
و يشحب وجه النّساء
و العالم من حولنا يلد الطفل الكسيح
و الجدب و العراء
من يلد الشّيخ المسيح
من يلد الطّفل الكسيح
سبّح الرّحم الصّفيق للغباء
في نهر العالم المسبوك من جثث الشّعراء
و الزّنوج الأبرياء
يستيقظ الأمراء
لحصاد الأفق بسّام النداء
لحصاد العشق للنّحلة النعساء
(طفلك الآتي صياح.
طفلك الآتي صباح)
صرخة الميلاد و رعدة نبية
طافحة بالسكر تسعى كالألم
كالنّار في الجسد المسعور
و تكتب الآتي بالرحم المشقّق و العناء
بسحابة خضراء أنبتها القلق
باللّهب الآتي من ذاك الأفق
في نهر العالم المسبوك من جثث الشّعراء
و الرفض و الصيحة الأزليّة
تنبت الدّمى و اللعبة الأثريّة
في معبد الماضي و مثوى الصّدى
و يصنع التّاج المصفّح بالغباء
و العنكب المدّاح
ينسج قول الثّعالب في الخفاء
في نهر العالم المسبوك...
و في واد التّاريخ خنجر و دماء
هل تهمة الشّعر يأتي من شرفة شرقيّة
هل تهمة الشّعر يا سيّدي يرفض العصر
و يكتب اللّعنة الأبديّة
و يلبس الحلاّج و الزّنوج و الأسمال و الشّهداء
الشّعر يا سيّدي ...
الشّعر يا سيّدي كم لحاه الأمراء
كم لحاه موريّون بيض الأكفّ أبرياء
و في القصر منه سيداتي سادتي
ألف عنقود تدلّى من خديدات النّساء
و الشّعر كم زيّن طفل البغاء
و جمّل في الشّارع فأر الخفاء
و الشّعر يا سيّدي ...
لولاه ما خلق النّساء....
و الأمراء
و القصر يا سيّدي و الكلب و النّبلاء
لا تسألنّي...
سأغنّي ...للفقراء
و إن شئت فاعفوا عنّي سأغنّي...
آه من وحي الزّنوج و الصّغار الأبرياء
فادن منّي
أيّها الطّفل الكئيب موهب الشّعر الهوى.
إن يشاء الموري يمسحْ
أو يشاء اللاة يفسخْ
لا نبالي.....
و نبيل نفخ الورم رواه
و عظيم يكتب الإرث خطاه
لا نبالي.....
نتعرَّ ...تحرق الشّمس الجوى
و نغنّي ...نحن أطفال زنوجٌ أبرياء
فادنُ منّي . صرْ إليّ..
أهمس فيك اللّظى
ولْترى الله جليلا يوقظ فيك الرّجاء
فادن منّي لنغنّي..
آه من وحي الصّغار الأبرياء
**الثّانية...
يـــــــــــــــا سيّــــــــــــــــدي الكبـــــــــــير
يا سيّدي الموري الكبير...يا سيّدي الموري
سيّدتي الكبيرة ...أميرة موريّة
إنْ دارتي من قصب و سقفها من طين
و قصرك من شيء لا أعرف التّخمين
سيّدتي الموريّة
..................................
امرأتي المسكينة معروقة اليدين
مطحونة الرّجلين ذابلة العيون
ما شكل عينيك و الرّجل و اليدين؟
هل مثل زوجي مطهوّة بالنّار
مقطوعة الصّغير..
(كانت شعيرا تحصد)
ما لون عينيك...سيّدتي يا مريم
عينك مثل العيون؟
امرأتي المسكينة بالدّمع لا يزول..
(كانت شعيرا تحصد)
يا سيّدي الكبير
ما جنبك؟ لو أعرف التقدير
برذعة حماري ...مستنَدٌ للزّائر الكريم
و الجارة إذ طلّتْ منّا تريد النّار
وامرأتي لو تلد أجعلها السّرير
يا سيّدي جارتنا ....
يفرشنه المنديل قدّام باب الدّار.
و الطّفل حاف يجْهَدُ رجليه نحو البيرْ
ذاك قليل لذّة نبتاعها بالنّار
من جاركم يا سيّدي
هل عندكم جيران.
هل تضحكون مثلنا
ها تشتكون مثلنا للواحد القهّار
أمْ أنّكم يا سيّدي فيَّ حياء زائدٌ
أبناء ذاك الرّب البائع السّمسارْ؟
قل بكفّيك التّي من بيضها جاء الذي......
طفلي عراء يابس
زوجي عراء يابس
أرضي عراء يابس
حلمي عراء يابس
يا سيّدي كيف استويت و أنا...
يا سيّدي لا أقف....
(في أوراق الرّجل بياض لا أثر للكتابة فيه . و يلي ذلك الفراغ
سطر فيه من النّثر ..جاءنا رجل لا يتحدّث لغتنا .كان يشتري لبن النوق يصنعه جبنة لم نعرف لها طعما ثمّ صار يشتري النّوق ثمّ صار يشتري مرعاها فسيّجه فحرام على أقدام الرّجال إلاّ من كان عبدا.فصرنا لا ظلّ و حرّ الهجير و الرّمال.....
ثمّ يلي ذلك بياض يلحق به كلام
_ يا سيّدي أمثالنا في النّاس ..
"من ضيّع المركوب أمسى لك مركوبا"
"و العقرب ُ لو تدري في سمّها أمصالا
ما تلدغ مكروبا"
"من شبّ يرضى حاله" لم يأمن استقبالا
لو نَاحري من قشرتي
أرخيتُ جيدي هيّنا .أرخيتهُ اذلالا".
لكنّما يا سيّدي .أُنْبئتُ عن سكْراتي..
عن سكرة لا تأتي إلاّ بشيء عاتي
من خلْف وجْع ساه عنه كبير الجاه
من خلف جرح ساه عنه كبير الجاه
من خلف جرح ساه عنه عُبيْدُ النّاهي
القادم من غَرْب و المشتري هضباتي.
والتقينا يعرفُ الرّمل خُطاي
و الهجيرُ يعرفُ منّي عنادي
والتقينا وافترشنا أذرع الويل الكبير
والتقينا لا تشاء أو تشاء
إنّنا حتما نصير
سترانا_سيّدي_آه منك يا كبير
كم ذراع الويل منّا حرّق النّار السّعير
و ترانا سيّدي آه منك يا كبير
نحبل همّا صغيرا ليصير ما يصير
تشتهي أو لا تريد
سنغنّي للثّرى بالخمر و العيد المجيد
والتقينا.من ترانا يجتني بُعْدَ الخلود
سترانا سيّدي .آه من الشيء الكبير
نستوي و الشّمس كبْرا
وَ تَعَقَّفْتَ هلالا ليس يقوى عن شديد
و رضيعا صرت تبكي آه منّا يا كبير
جمرة نخمد ساعه.
_ لا تراها _
إنّنا اللّهب يزيد
لا تشاء أو تشاء. نقدم نحفر قاعه
وجْعنا الدّامي الكبير
و ترانا يطلب منّا السّعير
بعض نار يوقد منه الجحيم
سترانا....و ترانا....أبدا ضحكا و عيد.
و ترى الشّباب غنّى يستوي منه الحصيد
و ترى الطّفل الحزين..
"من ترى أمّي (هذاك)
أترى أمّي (هذاك هو هو)
من نرى فوق الدّولار.
حدّة وجها شرار
ابن قتْرَةَ و أبوهاالجرجر النّجار
جائعا يأتي و يمضي يأكل فيك صباك
يزرع السُّقم و يمضي لبيوت
لبيوت ليس فيها أيّ زعم للغرام
يفرك نهد الصّبايا بالفرنكات الصّغار
آه يا أمّي الحزينة...
أبتي أين تراك...؟
أبتي أين ثراك....؟
فعيوبي كلّما خلتُ تراك...
من زجاج لم يطهّر من صديد
و فؤادي و ضميري فيهما ملح أجاج
ذُوّبَ عمق وجودي
ثمّ يافوخي نََفُوخٌ منه علاّتٌ كثار
منه اوهام تُساق للرّدى للرّيح سحقا
ثمّ يذروها المثار
أبتي بالله قل لي إن ترى الله يمينا
أبتي من طواك رهن الوجه حزينا
للكروب ...للرّدى
منّاع صفو . خافق الضّحك حضار
للرّجولة ترتجي رجلا تمشّى في الدّروب
أبتي بالله قل لي ...
لم نر وجها صريحا أو صبيحا
منذ أن جاءت رياح صرصر تقلي الدّيار
أبتي من قد طواك
ثمّ يلقيك كسيحا دون أنف
لست تدري أيّ غلف
فكّ من تحت الدّثار
فمشينا مثل حجّاج و لكن
سَتْرنا شبر إزار
ما شممنا في بنينا صُلْبنا الحرّ الحرار
ابتي من قد طواك .فخطاك
تلحظ النّاس سراقا
ثمّ عيناك تبوس كلّ ترب
أشرابامن دعارتبتغي منه فرار
أترى حُمّلْت عار أيّ عار...
أترى عيناك تعمى عن مسير
ذُبّلَتْ رخوا جفون كادها شيء دفين
فمُريبًا كنت تمشي كدت من مثْقال حجْر
تعثر أيّ عثار.
أبتي هانت كلوم
لو مسحت بيديك غبرة تطلي العيون
لرأيت منك في النّاس كثارا
و ترى الطّفل الحزين ...ينتشي حلما كبير
آه دعنيكم ترصّعت بنوري و تكلّلت بروحي
وافترشت فرْحيَ الشيء الصّغير
وانتزعت كلّ أوصاف تراني دابّة ظهرا قصير
آه دعني لست كيف ما تراني
إنّني أنسى الوجود
و ذراع تطعم الطّفل الوليد
آه دعني كي تراني أعبق مثل الورود
و ترى النّبت الصّغير يعصر حلم الوجود
يهده للنّاس زهرا كلّما فاق الصّباح
و عبيرا يبرىء الكفّ العليل و الجراح
فأنا الشّهد المذاب بالحنين و التمنّي
و شراع يجلب البحر إليه
و أنا اسطورة الغول المخيف في الثنيّة
كلّما جاع صغاري...
أحمل الموري راسا في الوطاب
أحمل الدّولار راسا من هداب
كالرّغيف لجياع البشريّه
كان موسى يحمل مثلي الهديّه
فأنا سلم تراني و غريب و نبوّه
كيف ما كنتَ أكون
نذرع الأرض صباحا و شروقا
و جمالا للهداب
تَكْبُرين و تريْن أمّة الحلم الكبير
أيّ فعل من صغار.كيف يقوى
إنّنا دوما كبار رغم أنّا من لظى الفعل صغار.
(إثر هذا الكلام بياض كثير يلحق به سطر واحد...)
فاحم اللّون رثاك ببياض في الضّمير
..............................................................................................
ابن قترة:حيّة خبيثة
الجرجر:آلة من حديد يداس بها الحصيد
شعر:أحمد بو قرّاعة
تونس
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق