الغزل البدوي(العذري)2
لم تكن أرض الحجاز بالبيئة المناسبة لظهور مثل هذا الغزل الرقيق في معانيه،ولكن منذ أن اتخذ الرسول(ص) المدينة المنورة دارا لهجرته ،وبعده اتخذها الخلفاء مقرا لعاصمة الدولة، أصبحت من الوجهتين الدينية والسياسية محطا للأنظار، ومن الحجاز خرجت الجيوش العربية لفتح الأمصار،فتدفقت على المدينة كنوز الأرض،كما تدفق عليها الموالي من فرس، وروم، وشاميين ،ومصريين،وكان ذلك تمهيدا لنشوء حضارة اختلط فيها العرب بالشعوب الأعجمية، وغاص فيها عرب المدينة بالترف والإثراء،ثم انتقلت الخلافة لبني أمية فأهالوا الأموال الطائلة على أهل المدينة لصرفهم عن السياسة،أما في البادية،من نجد وحجاز فقد اجتمع الحرمان والكبح مع الفقر، فكان نتيجة ذلك نغمة زهد أو ميل إلى المثل العليا، وكان هذا الميل يتوجه باتجاهين:اتجاه ديني، وغزل عفيف.
ومن ميزات هذا الغزل مقارنة بالغزل الجاهلي:
1 ــ الاستقلال. كانت قصائد الشعر الجاهلي تبدأ بالنسيب ،أي بمقدمات طللية يتغزل فيها الشاعر بالحبيبة،أو يقف على دمنها،أي أنّ النسيب جزء من القصيدة،أما في هذا العصر فقد أصبح الغزل غاية،يضعه الشاعر قصيدة مستقلّة قائمة بنفسها،وكان هذا الشعر في أكثره مقطوعات مؤلف من بيت أو بيتين أوعشرة أبيات تنظم لتغنّى ومنها قول عمر ابن أبي ربيعة:
أمن آل نــعـــم إن غـادٍ فــمبكـــــــر ..
غـــداة غـــد أم رائـــح فمهجـــــــرُ
بحـاجــــة نفس لم تقل فى أمــن جوابهـــــا ..
فتبلـــغ عـــذرا و المقــالة تعـــــذرُ
أهيم إلى نعم فلا الشمـــل جــامــع ..
و لا الحبل موصول والقلب مقصرُ
ولا قرب نعم إن دنـــت لك نافــــــــع ..
ولا نأيها يسلى و لا أنت تصبــــــرُ
وبالإضافة إلى الميزات المعوية لهذا الشعر،ولفته وموسيقاه، يبقى الشعر البدوي إلى جانب ذلك يمتاز بالبداوة التي تكسب لفظه رصانة في غير عنف ولا جفوة، وتكسب معانيه سذاجة في غير سخف ولا إسفاف. ومن هنا أصبح هذا الشعر الغنائي شعبيا عاما تتردد مقطوعاته في جوانب العالم العربي.
قال توبة بن الحمير الذي أحبّ ليلى الأخيلية والذي ردّد أبياته الكثيرن:
توبة بن الحميِّر:
فلو أنَّ ليلَى الأخيليَّةَ سلَّمتْ == عليَّ ودُوني جندلٌ وصفائحُ
لسلَّمتُ تسليمَ البشاشةِ أوزَقا ==إليها صدًى من جانبِ القبر صائحُ
ولو أنَّ ليلَى في السَّماءِ تصاعدتْ == بطرْفي إلى ليلَى العيونُ الكواشحُ
وهل في غدٍ إنْ كانَ في اليوم علَّةٌ == دواءٌ لما تلقَى النُّفوسُ الشَّحائحُ
وهل تبكِنِي ليلَى إذا متُّ قبلَها == وقامَ على قبرِي النِّساءُ النوائحُ
كما لو أصابَ الموتُ ليلَى بكيتُها== وجادَ لها جارٍ من الدَّمعِ سافحُ
مع أطيب تمنياتي بالمتعة والفائدة.
حيدر وطن
سورية سلمية في /19/9/2014
المراجع:
ــ الموسوعة الشعرية.
ـــ تاريخ الأدب العربي ( حنا الفاخوري).
ليلى الأخيلية شاعرة العفة والجرأ’ة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق