نافذة على الشعراء العرب
الشعراء الصعاليك
الشاعرالأول
الصعاليك هم مجموعة من فتيان العرب و فرسانهم ، كانوا فقراء ، و كانوا يقومون بالغزو ليحصلوا على قوتهم ، لم يكونوا يغزون إلا البخلاء من أغنياء العرب ، وكانوا يوزعون غنائمهم على الفقراء ، وهم أول من قام بتطبيق الاشتراكية ومن أشهرهم :
عروة بن الورد
أقسم جسمي في جسوك كثيرة ... و أحسو قراح الماء و الماء بارد
هو عروة بن الورد بن زيد العبسي من غطفان ، من شعراء الجاهلية و فرسانها و أجوادها ، كان يلقب عروة الصعاليك لجمعه إياهم و قيامه بأمرهم إذا أخفقوا في غزواتهم ، لا يعرف تاريخ ولادته ، توفي 30 قبل الهجرة . كان يغزو البخيل من الأغنياء و يوزع غنائمه على الفقراء يؤكد ذلك قوله :
أقسم جسمي في جسوم كثيرة و أحسو قراح الماء و الماء بارد
وقال معاوية بن أبي سفيان :
لو كان لعروة بن الورد ولد ، لأحببت أن أتزوج إليهم لقوله :
إني امرؤ عافي إنائي شركة
وكان عبد الملك بن مروان يقول :
ما أحببت أن أحدا من العرب ولدني ممن لم يلدني إلا عروة بن الورد لقوله
إني امرؤ عافي إنائي شركة ...
وهذه الأبيات قالها ردا على من هزئ به كونه كان شاحب الوجه نحيلا ، يقول من الطويل و القافية من المتدارك :
وإني امرؤ عافي إنائي شركة ... وأنت امرؤ عافي إنائــــــــك واحــد
أتهزأ مني أن سمنتَ و إنني ... بوجهي شحوبُ الحق و الحق جاهدُ
أقسم جسمي في جسوم كثيرةٍ ... و أحسو قراحَ الماءِ ، والماءُ بــــارد
و لقب عروة الصعاليك لقوله من الطويل و القافية من المتدارك :
لحى الله صعلوكا إذا جنّ ليله ... مصافي المشاش آلفًـــًا كل مجزر
يعد الغنى في دهـــره كل ليلة ... أصاب قراها من صديق ميسّر
و لله صعلوك صفيحة وجه ... كضـوء شهاب القابس المتنـور
وقال يشكو الفقر مخاطبا زوجته من الوافر و القافية من المتواتر :
دعيني للعـــــــلى أسعى فإني وجدت الناس شرهم الفقيـــر
و أبعدهم و أهونهم عليـــــــه و إن أمسى له حسب و خير
و يقصيه الندي و تزدريــــــه حليلته و ينهـــــــره الصغير(1)
ويضحى ذو الغنى وله جــلال كأن فؤاد صاحبه يطـــــــير
قـليل ذنبـــه و الذنــب جـــــــم و لــــكن للغنى رب غفـــور
...
1- الندي : يقصد النادي أو المجتمع .
.......
الشاعر الثاني
أقيموا بني أمي صدورَ مطيّكم ... فإني إلى قوم سواكم لأمْيَــلُ
الشنفرى
هو عمرو بن مالك الأزدي من قحطان ، توفي في عام 70 قبل الهجرة 554 ميلادية ، شاعر جاهلي ، من فحول الطبقة الثانية ، كان من فتاك العرب ، سريع العدو حتى ضرب به المثل فيه ، يقال ( أعدى من الشنفرى ) وهو صاحب لامية العرب المشهورة بل هي من أجود أشعار العرب ، و هي تتألف من سبعين بيتا يبدؤها بقوله :
أقيموا بني أمي صدور مطيكم ... فإني إلى قوم سواكم لأميل
وترجمت هذه القصيدة الى الانكليزية نقلها المستشرق الإنكليزي رد هاوس المتوفى 1892 م ، و تقابلها لامية العجم للطغرائي وهي قصيدة مشهورة أيضا .
و الشنفرى من خلعاء العرب الذين خلعتهم عشائرهم و تبرأت منهم .
قتله بنو سلامان ، ويقال أنه لم يكن يرى سوادا إلا ورماه بسهم ،وأقسم ليقتلن من بني سلامان مائة فقتل تسعة وتسعين ثم قتله واحد منهم ، ويقال أن أحدا من بني سلامان رأى في طريقه جمجمته فركلها ، فدخلت قطعة منها في رجله فالتهبت وأدت إلى وفاته ، وبهذا يكون قد أبر بقسمه ، وأعتقد أن القصة بعيدة عن الواقع .
يقول الشنفرى في لاميته من الطويل و القافية من المتدارك :
أقيموا بني أمي صــــــــدور مطيّكــــــم
.............................فإني الى قــــوم سواكـــــم لأميـَـــــــــلُ
لقد حُمـّــت الحاجــــات و الليــــل مقمر
............................و شدت لطيّــــاتٍ مطايـــــا و أرحــــل
و في الأرض منــــأى للكريم عن الأذى
...........................و فيها لمن رام القـــــلى متعـــــــــــزّل
لعمرك ما في الرض ضيق على امرئ
..........................سرى راغبــــا أو راهبـــــا ، وهو يعقل
ثم يقول فيها :
و إن مُدَّت الأيــــــدي إلى الزاد لم أكن
.........................بأعجلهم إذ أجشع القــــــوم أعجــــــــل
و ما ذاك إلا بسطة عــــن تفضــــــــل
..........................عليهــــم و كان الأفضـــــل المتقـــــدم
و لي صاحب من دونهم لا يخــــونني
..........................إذا التبست كفـــي بــــه يتـــــــــــــأكّل
ثلاثــــــة أصحابي فــــــؤاد مشبّــــــع
..........................و أبيضُ أصليتٌ و صفراء ُعيطـــــل
إذا زل عنــــها النَّبـْــــلُ حنّــــت كأنها
......................... مرزّأة ٌ ثـــــكلى تحــنُّ و تعــــــــــول
و أغــــــدو خميص البطن لا يستفزني
.........................إلى الــــزاد حرص أو فــــــؤاد مؤكّل
و يــــــوم من الشعرى يـــــذوب لعابه
........................أفاعيـــــــه في رمضائــــه تتملمـــــــل
..
أديم مطال الجــــوع حتى أميتـــــــــه
........................و أضرب عنـــــه الذكر صفحا فأذهل
و أستفّ تـرب الأرض كي لا يُرى له
........................عليّ من الطـــــول امـــرئ متطـــوّل
و لولا اجتنــــاب الذام لم يلف مشرب
.......................يعاش بـــــه إلا لـــــدي و مـــــــــأكل
و لكــــن نفسا حـــــــــــرة لا تقيم بـي
......................على الخسف إلا ريثمــــا أتحــــــــول
...
الشاعر الثالث
تأبط شرا
ثابت بن جابر بن سفيان ، أبو زهير الفهمي .
من مضر ، شاعر عداء ، من فتاك العرب في الجاهلية ، كان من أهل تهامة .
غير معروف تاريخ ولادته ، شاعر فحل ، قتل في بلاد هذيل سنة 85 قبل الهجرة الموافق 540 ميلادية ، و ألقي في غار يقال له رخمان ، فوجدت جثته فيه بعد مقتله .
ورد في كتاب " الإشتقاق " لابن دريد أنه لقب تأبط شرا ، لأنه ربما جاء بالشهد و العسل ، في خريطة ( جراب ) كان يتأبطها ، فكانت أمه تأكل ما يجيء به ، فأخذ يوما أفعى فألقاها في الخريطة ، فلما جاءت أمه لتأخذ ما في الخريطة ، سمعت فحيح الأفعى ، فألقتها . و قالت :
لقد تأبطت شرا يا بني ! ..
و هذيل تدعي قتله .. وكان من رجال العرب المشهورين ، يغزو على رجليه
يقال أنه كان يأتي كل عام إلى غار في هذيل .. فيأخذ فيه من عسل .. فرصده بنو هذيل و رصدوا له .. وكان قد حفر في الغار ثقبا أعده للهرب ، فدهن جسمه بالعسل و استطاع الانزلاق .. حيث تمكن من الهرب .
يقول في ذلك من الطويل و القافية من المتدارك :
أقول للحيــــان و قد صفـــــــرت لهم ...
وطابي و يومي ضيـــق الحجر معور
همـــا خطتــــا إما أسار و منــــــــــة ...
و إما دمـــاء و القتــل بالحـر أجــــدر
و أخرى أصادي النفس عنها وإنــها ...
لمـورد حـزم إن ظفــرت و مصـــدر
فرشت لها صدري فـــزل عن الصفا ...
به جــؤجؤ صلب و مـــتن مخصـــر
فخالط سهل الأرض لم يكدح الصفا ...
به كدحة و الموت خزيان ينظــــــــر
فأبــت إلى فهـــم و ما كنت أيبـــــــا ...
و كم مثلها فارقتها وهي تصفــــــــر
إذا المرء لم يحتل و قد جــد جـــــده ...
أضاع و قاسى أمره و هو مدبـــــــر
و لكن أخو الحزم الذي ليس نـــازلا ...
به الأمر إلا وهو للحزم مبصـــــــر
فذاك قريع الدهر ما كان حــــــــوّلا ...
إذا سد منه منخر جاش منخــــــــــر
فإنك لو قاسيت باللصب حيـــــــلتي ...
بلقيان لم يقصر بك الدهر مقصـــــر
و من شعره أيضا من الطويل و القافية من المتدارك :
قليـــل التشكي للمهــــــــم يصيبـــــــه ...
كثير الهوى شتى النــوى و المســـالك (1)
يبيــــــت بموماة ، و يضحى بغيرها ...
جَحيشا و يعروري ظهور المهــالك (2)
إذا حاص عينيه كــرى النوم لم يزل ...
له كالئ من قلب شيحــــــــــان فاتك (3)
و يجعل عينيه ربيئـــــة قلبـــــــــــه ...
إلى سلة من حـــــد أخلق باتـــــــــك (4)
إذا هــــزه في عظم قــــــرن تهللت ...
نواجـــــذ أفــــواه المنــايا الضواحك
...
1- كثير الهوى : أي أنه متعدد المقاصد
2- الموماة : المفازة لا ماء فيها – جحيشا : أي منفردا – و يعروري : أي يركب و يرمي نفسه في المهالك
3- حاص : الحوص ضيق في العينين ، و الأحوص : ضيّق العينين - شيحان : أي حازم
4- ربيئة : أي رقيب – السلة : المرة ، من سل السيف ، أي جرده – الأخلق : أي الأملس _ الباتك : أي القاطع
....
خالد ع . خبازة
سورية اللاذقية