السبت، 5 أغسطس 2017

مجلة المبدعين العرب... الجريمة الكاملة بقلم الكاتب القاص رفعت اسماعيل ... مصر... القاهرة

الجريمة الكاملة

أبلغت الشرطة أنها اختفت،
ومنذ ذلك الحين  وتلك الهلاوس أصبحت تطاردني،
أينما يممت وجهي أراها،
كان طيفها في كل مكان أذهب إليه،
في السقف وعلى الجدران، وأحيانا خارجة من المطبخ وثيابها ممزقة،
تنظر إلي  غاضبة،
وأحيانا مستجدية ، كان رأسي يطن بصوتها تستغيثني وترجوني.
"يالزوجتي المسكينة حتما شيء ما ألم بها "
أخذت سيارتي وانطلقت بها إلى مكان ما في الصحراء أعرفه.
وجدتها هناك جالسة تبكي وبين يديها جثتها الممزقة،
"حتما هذا فعل الذئاب اللعينة التي يعج بها هذا المكان الموحش"
وليت إلى سيارتي أخرجت منها عدة الحفر التي مازالت متسخة من أثر عملية الحفر السابقة،
فأخذت أحفر وأعمق الحفر، حتى اطمأننت أنها صارت أعمق من أن يصل إليها يد إنسان أو أنف حيوان،
لابد ألا ندع شيئا للصدفة،
فمثلنا لا يموت إلا على فراشه الوثير،
لا أن يتدلى من رقبته كالذبيحة على حبل المشنقة،
أخذ طيفها يحوم حولي،
ويتمتم بكلام بدون صوت،
"حتى وأنت صريعة ما زلت تثرثرين أني  لأشفق علي أهل الجحيم منك، كيف سيتحملون ثرثرتك؟؟
لقد أضيف إلى عذابهم عذابات،
وإلى ويلهم ويلات "
أخذت أجمع ما تبقى  منها من أشلاء وعظام،
وألقي به في الحفرة ثم أخذت أهيل عليها التراب،
ثم قفلت عائدا إلى  مركز الشرطة أتابع بقلب زوج مكلوم ما انتهت إليه  التحقيقات.
ثم عدت إلى  البيت هانئا مسرورا، الآن سأغمض عيني وأحظى أخيرا بنوم عميق،
وما هي إلا  سويعات حتى أشرقت  الشمس،

كان يوما مشمسا، والساعة قد قاربت حينها على العاشرة حينما استيقظت من نومي، نظرت إلى المكان الفارغ بجواري من السرير ثم طبعت على وجهي ابتسامة رضا.
ذهبت إلى المطبخ أعددت لنفسي كوبا من القهوة السوداء كما أحبها أن تكون،
ثم فتحت باب الشرفة، وأخذت أملأ  رئتي بالهواء المختلط برائحة القهوة وعبير الحرية الذي لم أتذوقه منذ سنوات،
"يا له من يوم جميل صباح الخير أيتها العصافير صباح الخير أيتها السماء صباح الخير أيها الكون
ما أجملها من حياة تلك التي نعيشها بلا قيود ،
أو مسئوليات أو زوجة تعكر عليك صفو حياتك،
وتمزق بعوائها سلمك الداخلي.
ولا تيقظك من نومك إلا لكي تضع فوق عاتقك هموم الدنيا،
وذلك باﻹضافة إلى همومها هي أيضا،
وإن لم تجد هموما عندها،
حملتك هموم الجيران،
وإن لم تجد لا عندها ولا عند الجيران ،
اصطنعت لك واحدا كأنها تتعمد أن ترى وجهك يعلوه البؤس دوما.
حقا نحن الرجال طيبون حد الساذجة،
نخدع دوما بالمظاهر البراقة،
والصوت الرقيق ،
والخجل الزائف،
ولا ندري أننا خدعنا إﻻ بعد فوات الآوان،
وقد "وقعت الفأس في الرأس" كما يقولون.
تخرج هي من الحمام ليلة عرسها وقد سقط عنها قناع المكياج والرموش الإصطناعية وكذلك  العدسات اللاصقة وصارت مخلوق أخر.
تأخذ أيها المسكين تقلب كفا على كف،
وأنت تقارن بين صورها أيام الخطوبة،
وصورتها الآن ،
وأنت تكاد تجزم أنها قد استبدلت باخرى،
أخرى لا تحمل من الأنوثة إلا اسمها فقط،
وحينها تدرك أيها المسكين أن مأساتك اﻷبدية قد بدأت.
مأساتك التي لا تنتهي إﻻ بموتك أو موتها.
آه كم أنا الآن مستريح ما أجمل أن  تكون عازبا.
أخذت أتصفح الجريدة الصباحية حتى وقعت عيني على صورة امرأة في منتصف الثلاثينات،
تحتها كتب استجداء
"إلى ذوي القلوب الرحيمة ارحموا عبرات زوج مكلوم زوجتي تغيبت عن المنزل منذ ثلاثة أيام من رآها  أو يجدها فليتصل بي علي الهاتف التالي........
ولا أراكم الله مكروها في عزيز لديكم"
أخذت أضحك بهستيرية،
"هكذا لن يكون هناك شبهه، أو يستطيع أحدهم أن يشير إلي  بأصابع الإتهام ، حقا كم أنا عبقري"
رن هاتفه ليقطع عليه هذه الإحتفالية الصاخبة
"إنه معاون المباحث،
لعله يريد أن يغلق المحضر،
لا لا أيها الأحمق فلم يمض على اختفاءها سوى ثلاثة أيام فقط، وملفات الإختفاء تظل مفتوحة لعقود ولا تغلق.
معاون المباحث: ألو، صباح الخير،
مع حضرتك الرائد شريف فهمي معاون المباحث.
أنا: بصوت حزين "صباح الخير حضرة الرائد هل من جديد عن زوجتي المسكينة ".
معاون المباحث: "نعم ولهذا أتصل"
كان وقع الكلام علي ثقيلا جدا، حتى لا أكاد أستطيع معه أن  أبلع ريقي.
معاون المباحث: أرجو أن تتمالك أعصابك،
سيدي لقد وجدنا جثة تحمل نفس زوجتك،
ولكن لم نستطع الجزم أنها هي،
ﻷنها مشوهه للغاية بحيث لم نستدل لها على معالم،
يمكن لحضرتك أن تزور المشرحة،
لتتعرف عليها ونرجو ألا تكون هي.
سقط الهاتف من يدي، وبدء الخدر يسري في بدني، بصورة لم تستطع معها قدمي أن تحملني،
فهويت على اﻷرض،
"لقد وجدوها كيف لهذا أن يحدث كيف ؟؟"
أخذت اﻷسئلة تموج في رأسي،
حينها ظهر طيفها مرة أخرى،
ولكن هذه المرة كانت تضحك،
وهي تتقافز متهللة،
الطيف: "أنا أخبرتهم، لتنال عقابك أيها المجرم،
وعما قليل سيقبض عليك
وسوف تعدم وهذا سيكون جزاءك الذي تستحقه"
أنا: كيف لقد قتلتك ؟؟
لماذا لا تدعني وشأني.
حسنا هذه هي النهاية، كنت أعرف أن هذا سيحدث مهما طال الأمد، فلا يوجد ما يسمى بالجريمة الكاملة،
ولكن لو كان القاضي الذي سيحكم علي بالإعدام مكث معها ولو ليوم واحد لالتمس لي ألف  عذر وعذر.
ولكن كلهم حمقى، كلهم يريدون أن يروني وأنا أتدلى من حبل المشنقة، كي يظهروا أنفسهم كأبطال وحماة للعدالة، كم هذا سخيف
لن أدعهم يقبضوا علي وأنا على قيد الحياة،
استللت حبلا وعقدته في المروحة،
ثم أدخلت فيه رأسي مبتسما لن  أدع طيفها يراني منكسرا، لن أدعها تتذوق لذة انتصارها، فابتسامة المهزوم دائما تفقد المنتصر لذة الإنتصار ،
صوت جلبة مع طرقة عظام تصحبها حشرجة،
لقد انتحر،
انتحر متدليا من رقبته كالذبيحة من حبل مشنقة.
صوت طرقات عنيفة على الباب،
تفسخت على أثرها أركانه،
   وما هي إلا  لحظات حتى أصبح المكان يغص بالشرطة،
ومن ثم أنزلوا الجثة بحرص،
وتأكدوا أنه قد لفظ أنفاسه اﻷخيرة.
قامت عناصر الشرطة بتفتيش المكان،
وبعد فترة خرج أحدهم
وفي يده ورقة،
أودعها يد الضابط،
تفحص الضابط الرسالة.
"زوجي الحبيب لقد اضطررت أن اسافر عند أختي لبضعة أيام ريثما تهدأ اﻷوضاع بيننا"
التوقيع
(زوجتك المحبة)
*ملحوظة*
لا تنسي عزيزي أن تأخذ دواءك كي لا تعاودك الهلاوس ثانية "
انتهت الرسالة
يخرج شرطي أخر يحمل في يده رواية لأجاثا كريستي يقول أنها  كانت بجوار الرسالة التي تركتها له زوجته.
جلست الزوجة بعدما أصبحت أرملة تحتسي القهوة مع معاون المباحث "شريف فهمي" الذي عرض عليها الزواج منه بعدما تكللت خطتهما بالنجاح.
تمت

ميكروفيكشن - رفعت اسماعيل
مصر القاهرة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق