السبت، 31 ديسمبر 2016

خاطرة بعنوان { يهوذا الحاضر } تأليف الكاتبة مرام عطية/سورية/حمص

يهوذا الحاضر
في بلادي وحش سافر ٌ ، يقضمُ صدور الأمهات ، بألف شكلٍ وألف لون ، يهزأ بالعطف والأمومة ، فيأتي ثورا غاضبا يركل برجليهِ أزاهيرَ الضياءِ ؛ ويهزأٰ بكلَّ ألوان الحبِّ والجمال ، ويتنكرُ للثدي الذي أرضعه حليب الطفولة ، وتارة يعتلي كرسي المناصب فيلوحُ من بعيد لأجندته ببدء ساعة القصف والتفجير ، أو يشرفُ بنفسه على عملياتِ القتل والإعدام بلا تمييز بين الأطفال والنساء والشيوخ والشباب
أو يرتدي حزاما ناسفا يفجر فيه نفسه ، والأبرياء أو يحصل على حصته من حقل الدم قبل موته يهوذا الحاضر .
يعيشُ بين أحضاننا ولا نعرفه ، نسقيه حبا
يسقينا الألم ، نمدُّ أيدينا للمصالحة ،فيقطعها و يرميها للعدم .
لونه أسود في حمص كما في الشام وبغداد وصنعاء وفلسطين .
هو لعبة الأمم ، وشراب الحرب، في مصانع الحاقدين والحاسدين ، شوقنا للحياة
أراكَ عرفتَ من هُوَ  !! .
-----
مرام عطية - سوريا - حمص

الجمعة، 30 ديسمبر 2016

قصيدة بعنوان { ياأخي } تأليف الشاعر بوتخيل ميموني/المغرب/وجدة

يا أخي ...

يا أخي تكلم..
لله درك من حمار أبكم..
انفض غبار الذل قليلا،
ألا يكفيك ألا يكفيك،
أن الجبال ستفهم..
أن النمل في بيوتها غاضبة،
ومهما طغى الإنسان عليها
فهي حالمة من البشر تتعلم..
وأن النحل إن ظلم غيره،
فبغيره حتما سيعدم..
يا أخي تكلم...
ففي الكلام فسحة حرب،
وفي الخنوع ذل وتأزم..
تكلم .. تكلم .. تكلم،
فأنا مثلك أبوح اليوم،
وأنت غذا تتكلم...

بوتخيل ميموني
المغرب وجدة

أبيات شعرية للشاعر عدنان الديري /سورية/دمشق

ق ق ج بعنوان {نقطة نظام } تأليف الكاتبة مريم بغيبغ/الجزائر

ق ق ج
نُقطَة نظَام
حَمَلَت الرّايَة وَسَارَعَت لطَلب المُسَاعَدة، تلَقّفَتها  الفِتَن، واحتَوتها الطَّائِفيَّة. بِقلبٍ يتَفطّر حُزنًا مُكبّلَة الأيدِي تُرَاقِبهم يِتقاتَلون...
بكَت عَلَى شَرفِها الذّي كَان يُغتصَب أمَامهُم.

مريم بغيبغ/ الجزائر.

خاطرة بعنوان { قررت الرحيل } تأليف الكاتب والقاص جمال أبو ريا /فلسطين/الجليل/سخنين

قررت الرحيل...
على الرغم من كثرة نجوم سماء كونهم، ولكنّ نورها باهت، حتى عندما اقتربت منه لينير لي، وجدته مؤقتا.

بحثت عن قمره، وعندما وجدته اكتشفت أنه لا ينير لي دائما، وحتى لو أنار فإن له دائما جانبا مظلما، حتى شمسه على الرغم من دفئها ونورها فإنها حارقة لا ترحم. فقررت الرحيل.

ليتني لم أترك عالمي الخاص، لن ألومهم على إصرارهم عليَّ للخروج منه، فربما كانوا يرون أنه لا حياة به من غير شموس أو أقمر أو حتى نجوم، وليتني لم أبحث أنا عنها.

ولكنّي لا ألومهم، ربما عالمهم غير مناسب لي، وربما أنا غير مناسب لعالمهم. حاولت فيه، فشلت كثيرا ولكنه كان سببا لنجاحات أكثر، عشقت معنى أن تضيئ بيديك نجوم الآخرين حتى وإن لم تجد لك شمعة.

يكفيك ابتسامتهم لتضيء قلبك. ولكن، ما أقسـي استئثارهم بنورها لهم وحدهم. لا ألومهم، لأنّي المسئول منذ البداية عن خروجي من عالمي لن أنسـى نظرتي له وأنا على بابه أبتسم لعالمي بأني عائد إليه، أسمعه وهو يقول لي أنت تعلم ما ستمر به، فلماذا تذهب؟

ولكنه لا يعلم أن الفكرة والرسالة لا تعيشان وحدهما. كان يعلم أن عودتي إليه ستكون قاسية ومن الممكن أن تكون مدمرة ومن الممكن ألا أعود نهائيا، ولكني كنت على يقين من عودتي إليه واثقا بتأديتي لدوري من هذه الرحلة.

لا يهمني ألا أجد شمسا أو قمرا أو نجمة أو حتى شمعة تقبل الوجود في عالمي، ولكن يكفيني أن أكون نقطة مضيئة واحدة في حياة أحدهم، فما أعظم من ينير قلوب العباد، لينير قلبه، رب العباد!

يعاتبني عالمي كثيرا على كثرة تفاصيله، فهو يرى أنه لن يقدر أحد على الاستمرار فيه طويلا. ولكنّي دائما أقول له:

" من أراد أن يعيشك بكل ما فيك، فهو أهل بك. ومن لم يستطع فأهلا به".

"لا أريد نجوما عدة ولا شموسا، يكفيني أن تنار أرضك قبل سماءك بخطى أحدهم عليك".

"لا أعلم من أين سيأتي الضوء من عالمهم أم من عالم آخر لم أرصده بعد، ولكني لن أبحث كما أرادوني أن أفعل. فأنا يكفيني ظلامك المطمئن، ولا أرضى بنور لك يميت أوراقك ويحرق فؤادك".

افتح أبوابك يا عالمي، فإني عائد إليك. أعلم أنك حزنت لفراقي ولكني أعلم انك مشتاق إليّ.

افتح أبوابك فلقد وصلت، ولا تقلق فهناك الكثير لنحكيه، وهناك الوقت لنقضيه. لن أتركك مرة أخرى، فلقد كنت أعلم بالفعل قيمتك في حياتي ولكني اليوم تأكدت، فافتح أبوابك لتداوي ما مررت به.

لقد عدت إليك بكل ما حدث لي، فأنت وحدك قادر على فهمي ومداواتي، ولكن قبل أن أغلق بابك علينا اتركني: اتركني أريك بعض النجوم التي كانت من الممكن أن تنيرك، ولكن لا تندم على عدم مجيئها معي فأنت لا تعلم بعد سبب رحيلي.

جمال أبوريا...
فلسطين الجليل  سخنين

قصيدة بعنوان { حنين..رسالة إلى ابنتي سلمى } تأليف الشاعر أسامة عوض /مصر/ القاهرة

حنين .. رسالة إلى ابنتي سلمى

سلماه يابنيتي لا تحزني
ولترسمي أملا
سأعود يوما عند الفجر
مبتسما
ما كنت أرغب أن أغيب
صغيرتي
لا أستطيع بأن تهان
كرامتي
ذبحوا أباك فوق
سفح الغربة
لا زلت أذكر بسمة
في ثغرك
فتداعب الأوراق وتنتزع
مني لوعتي
فيجف من قلمي المداد
وتستباح مدامعي
ولئن جمعت كنوز كسرى
وملأت منها خزائني
لا تستوي  ووحدة
قلبك بين رفاق المدرس
يوما ستحضن أعيني
وأناملي
كفيك ونسير بين آهات
الموطن لا نلتوي
فلقد سعيت في مناكب
أرضه
قول الإله صدقا
في قرآنه
فلتغفري لي بعدي
ولا تذبحي
أباك مرتين
فوق سفح الغربة

#أسامة_عوض /مصر
جدة 29/09/2016

خاطرة بعنوان { تنهيدة في حضرة الموت } تأليف الكاتب إبراهيم هاشم /سورية/دمشق

تنهيدة في حضرة الموت
((..تَنْهِيدَةٌ فِي حَضْرَةِ أَحْيَاءٍ تَحْتَ التُّرَابِ ؛مِنْ أَمْوَاتٍ يَتَنَفَّسُونَ الهَوَاءُ ..!! ))
أواه ؛؛ كم شابت سوالف أرواحنا من عبرات السنين....!!؟؟
أواه ؛؛ كيف الصبر والصمت يقتلنا في رحى الأنين......!!؟؟
أواه  ؛؛كيف نسلو ودمائنا وعقولنا وقلوبنا؛ جبلت على الشوق والحنين.....!!؟؟
أغمضت عيني ورحت أقلب الكف بين حبات ذاك التراب.....@
أين ذاك الجمال كله.....وأين البهاء......؟؟
أين ذاك الكرم كله.....وأين الإخاء......؟؟؟
أين ذاك الطيب كله.....وأين الوفاء......؟؟؟؟؟
هجع الجسد  بعد أن هاجت الأشواق ؛ففلقت زهرا كزهر الرمان مابين الروح والجسد ؛فاستسلمت للنوم لعل  ذاك الطيف أن يزور....@@
لا أحد  لا أحد....آه ...@
بقلمي إبراهيم هاشم......
قطعت صمت الروح واستذكرت تلك الأبيات لشاعر عظيم لعلها أن تخفف عن الروح قليلا :
ﻳﺎ ﻗﺎﻃﻌﻴﻦ ﺣﺒﺎﻝ ﺍﻟﻮﺻﻞ ﻣﺬ ﺭﺣﻠﻮﺍ   قطعتموا ﺑﺴﻴﻮﻑ ﺍلهجر ﺃﻭﺻﺎﻟﻲ
ﺍﻟﻠﻪ ﻳﻌﻠﻢ ﺃﻧﻲ ﺑَﻌﺪَ ﻓُﺮﻗَﺘِﻜُﻢ        ما ﺑَﻴﻦَ ﻣُﺤﺘﺮﻕٍ ﺑِﺎﻟﻨَّﺎﺭ ﺃَﻭ ﺻﺎﻝِ
ﺇِﻥ ﻛﺎﻥَ ﻳﻮﺳﻒُ ﺃَﻭﺻَﻰ ﺑِﺎﻟﺠَﻤﺎﻝِ ﻟﻜُﻢ   يعقوﺏُ ﻭﺍﻟِﺪُﻩ ﺑﺎﻟﺤﺰﻥِ ﺃَﻭﺻﻰ ﻟِﻲ
......
إبراهيم هاشم
سورية دمشق

قصة بعنوان { القصر المسجور } "ج 36 " تأليف الفنان والقاص عمرو أنور/مصر/القاهرة

(القصر المسجور)....(ج36)
(الحرة)
راود ذو العصابة السوداء,   الأميرة ذات البهاء,
ولكنها أبت دون,   خجل أو حياء,
وقال.........
دفعت لك مهرا,   ألف ناقة حمراء,
لأنجب منك البنات ,   والأبناء,
فمن نسل الملكات,   يُخلق العظماء,
لا,   لا ينال قاطع,   طريق شرف اللقاء,
تموت الحرة,   ولا تمارس البغاء,
أنا ابنة الملوك,   والأمراء,
أنا نقية الدم,   سليلة النبلاء,
على عهد الهوى,   باقية أنا رمز الوفاء,
لن أهب نفسي,   لمن دفع بسخاء,
أهب نفسي,   لمن في وجهه ضياء,
أهب جسدي,   لمن وعدته بالولاء,
لو حبستني ألف عام,   لن أُلبي النداء,
بالحب أحيا,   وبدونه يكون الفناء,
إستدار خارجا,   ذو العصابة السوداء,
من خدر سليلة ,   الملوك ذات البهاء,
وهو على كبريائها,   ينوي القضاء,
أوحى إلى جواريه,   أن يسخرن من الكبرياء,
أن يجعلاها بالعمل,   تزداد إحساسا بالعناء,
من تربية الطيور,   إلى العناية بالجراء,
تعمل الأميرة طوال النهار,   وفي الليل لا ينقطع منها البكاء,

نلتقي بمشيئة الله في الجزء السابع  والثلاثون(كبير الجان))
(الأجزاءالسابقة كاملة على صفحتي الرسمية)

الفنان عمرو أنور
مصر القاهرة

مقالة نقدية بعنوان { الذائقة الجمالية العربية } تأليف الأديب الناقد الأستاذ صالح هشام/المغرب/الرباط

مقالة نقدية :
الذائقة الجمالية العربية ·
بقلم الأستاذ : صالح  هشام / /المغرب ·
قبل أن أتطرق إلى موضوع الذائقة الجمالية ،أرى أنه  من المفيد جدا ،أن أعرج على التعريف بمفهوم الذائقة  :  فهي  اسم فاعل من الفعل (ذاق ، يذوق )  وهي قوة  تمييز طبيعة بين طبائع   الأشياء وتذوقها  ، سواء كان ذلك   سلبيا أو إيجابيا ، سواء تميزت هذه الأشياء  بالمرارة أو الحلاوة ، ومنه ( كل نفس ذائقة الموت ) فالذوق إذن ليس مقصورا على الجانب الجمالي فقط في هذه الأشياء ،  وهذه القدرة على التمييز لا تقتصر على الإنسان فحسب وإنما تتعلق  بباقي الكائنات الحية الأخرى من طير أو حيوان ، إذ  هي بدورها تستسيغ الحسن فتعشقه وتقبل عليه كالعيس تبالغ في المشي طربا لإيقاع الحادي ، والأغنام تبالغ في الرعي مستعذبة شبابة الراعي ، وتخاف قرع الشنان  فتنفر وتفر منه  ، وقد أسندت  الذائقة إلى الجمال على سبيل النسب ، إذ تصبح  من خلاله جزء من الجمال ،  على مستوى هذا التركيب  ، والأولى في اعتقادي أن تسند إلى الجمال  على سبيل  الفاعلية( ذائقة الجمال ) فيسند اسم الفاعل إلى مفعوله !
وأما الجمال ، فهو كل ما يمكن أن يثير في النفس رعشة القبول والإستحسان وتحقيق الإدهاش حد الشعور  باللذة ،وإن يبقى مفهوم الجمال من المفاهيم المعقدة جدا  ، إذ يرقى إلى مستوى أعلى درجات  القيم الإنسانية ( كالحق والعدل والحرية والخير ) ،  ولا يقتصر الجمال على المدرك بالحواس الخمسة تذوقا ، وإنما كل ما من شأنه خلق هذه اللذة ، والرضا ، من أفعال وسلوكات وتصرفات تجاه النفس و الآخر ، و لا أريد أن  أنجرف في الحديث عن الجمال بمفهومه الصوفي الذي يرقى إلى الكمال ،وإنما سأتطرق إليه كجمال عرضي  متبدل و متغير!  والمتحكم في الإحساس والشعور به هو تلك الظروف والملابسات اللحظية  غير التابثة  ، فما تراه جميلا في وقت من الأوقات قد لا تستسيغه ، في أوقات أخرى ، فمفهومه نسبي ، وتذوق الجمال هو ذلك الإحساس الجميل كالشعور بلذة الخمرة بدون خمر أو لذة الطرب بدون مطرب  ، سواء كان مدركا بالحواس الخمسة من لمس وشم وبصر و ذوق وسمع   وغيرها  ، فقد يتذوق الجمال المدرك بالعقل كذلك  في الموضوعات الفنية والفكرية والسلوكية ومادام الشعور بالجمال ، يكاد يكون غريزيا في الكائن الحي ، تحكمه هذه القوة والقدرة على التمييز بين القبيح والحسن والجيد والرديء ، فإنه  يستوجب تهييء  البيئة  المناسبة التي تساعد على تنمية الذوق والإحساس بالجمال !
فالذائقة الجمالية  مثلها مثل الجمرة قد تكون مشتعلة لكنها سرعان ما تخبو وتنطفيء إذا ما احتوتها بيئة  فاسدة لا تساعد على ذلك ، وهذا ما سنراه في هذه المحاور التي سنناقش في هذا الموضوع :
إن الله سبحانه وتعالى خلق الجمال في كل شيء ، في كل مظاهر الوجود  بدء من تغريد البلبل فوق الفنن إلى خرير الساقية وحفيف القش الذي  يتلاعب به نسيم الصباح  ، إلى ظلام الليل وإطلالة القمر، إلى وميض البرق وقعقعة الرعد  ، فأينما تولي وجهك إلا وتجد الجمال في أبهى تجلياته  لا تحده حدود ، لكن للتفاعل مع هذا الجمال  المتجلي  في المظهر الطبعي والفكرة  العلمية ، والصورة الشعرية  ، والايقاع الموسيقي واللوحة الزيتية ، لا بد من تربية الإنسان / المتلقي  على  الشعور الرائع الذي يبعث الحياة في النفس والإحساس بجمال  هذه المظاهر ، وما دامت الذائقة وتذوق الجمال قدرة غريزية  تمييزية في الإنسان فالبيئة المناسبة الخالية نسبيا من الأدران والأمراض الاجتماعية ،  تساهم بشكل أو بآخر في تنمية هذه الذائقة وصقلها وتدريبها وإن كانت ذائقة شخصية مثلها مثل بصمات الأصابع لا يمكن أن يشترك فيها اثنان أبدا  ، و هذا الإحساس بجمال الأشياء من حولنا كفيل بجعل الإنسان قادرا على وضع ذاته في مكانته الإنسانية وفي أرقى مراتبها  العليا التي متعه   الله سبحانه وتعالى بها  وجعله في أحسن تقويم، إذ  يتجاوز ذلك  الإحساس الغريزي الذي قد يشترك فيه مع باقي الكائنات الحية الأخرى في  برها وبحرها وسمائها  وأرضها  ، و هذه البيئة المناسبة التي تساعد على تنمية الذائقة الجمالية والشعور والإحساس بكل ما هو جميل ، تستوجب  احترام كل ما هو جميل في هذا الكون الجميل وهذا لن يتأتى إلا إذا ربينا النشء على حب الجمال  ، فلنؤمن بأن الله سبحانه (جميل ويحب الجمال ) .
فمنذ صغر الطفل ونعومة أظافره ، نكون  ملزمين  بتربيته على احترام المحيط الذي يعيش فيه : يستطيبه ويشعر به  ويستسيغ جماله ،ولعل  الإحساس بجماله ، يجعله أكثر حرصا وحفاظا عليه  إذ يشعر أنه منه وإليه  ، بدء من البيت إلى المدرسة  إلى الشارع !
فتتربى أذنه على أن يطرب لإيقاع خرير الماء فيحترم النهر ، وحفيف الأوراق فيقدس الشجر ، ويستطيب رائحة الزهرة ، فيحنو عليها ويهتم بها ، وهذا بشكل أو بآخر سينعكس إيجابا على سلوكه وتصرفه وطرق احترامه غيره ،  فننجح في  تكوين الإنسان الذي يحترم الطبيعة ويتذوقها ويحبها ، وبالتالي نحصنه من الأذى بكل أنواعه لنفسه ولغيره ، وكما نربيه على تذوق جمال مظاهر الطبيعة ، نربيه كذلك على تذوق و احترام الفكرة ، واستساغة الكلمة الراقية ،  وتذوق جمالها بدء من السطر الشعري  إلى النتفة  إلى القصيدة .
ولعل التربية على التذوق وتنمية الذائقة الجمالية  ، تذكي في روحه حب  النقد و إبداء الرأي الحر والاستقلال بالشخصية و التفاعل الإيجابي مع كل ما يشعر به من جمال  المحسوسات والمعقولات  !
ولعل المقصود بتهييء  البيئة المناسبة ، التركيز بصفة خاصة على  مدرسة  فنانة تحب الفن وجميلة تحب الجمال وترسخه كمبدأ من مباديء هذا الجيل المتعطش إلى التربية على القيم العليا ، هذا الجيل الذي يكون قادرا على  استساغة  الجمال وتذوقه ، مدرسة تفكر فيه كإنسان له ما يحب وما يكره ، لا في حشوه  بذلك الكم الهائل من المعارف والمعلومات  التي سرعان ما يطويها النسيان فلا تترك في نفسه أثرا يذكر!
ولكن للأسف فإن فاقد الشيء لا يعطيه، إذ نجد في أغلب المجتمعات العربية  أن المدرسة فاقدة لأهلية التربية على الذوق السليم والذائقة الجمالية ،و لاأرجع سبب   هذا  إلى ضعف ذائقة الساهرين على حقل  تربية الأجيال ، و إنما  مرده بالأساس لضعف مقررات مدرسية  قررت (بضم القاف )دون أن  تهتم بميولات  الناشئة . مقررات  تمارس سلطة الحشو والتلقين ، وهذا لا  يمكنه بأي حال من الأحوال أن يساعد على  تربية الجيل على حب الجمال واحترام مظاهره  ، أو على أن ينمي فيه روح التذوق ،هذا  في غياب هامش  معقول من الحرية  الشخصية للطفل في اختياراته ، واحترام  ما يحب وما يتذوق ،  وأقصد بذلك أنك تلمس  في أغلب مدارس المجتمعات  العربية افتقارا يكاد يكون مطلقا للحوافز والدوافع  التي تساعد هذا  النشء  على تنمية ميولاته الفنية ، إذ نكاد نقصي من مقرراتنا الدراسية :   التربية الموسيقية أوالتربية التشكيلية أوالأنشطة المسرحية وغيرها ، وفي أحسن الأحوال إذا  وجدت فإنها تكون بشكل جد خجول وتعتبر من الكماليات  والمواد التكميلية ، دون أن يضع المقرر ( بضم الميم )في ذهنه أن هذه المواد من الحاجيات التي ينتفع بها   شأنها في ذلك شأن الماء والهواء وشخصية الإنسان تكامل بين ماهو  مادي وما هوروحي .
فهذا الخلل الكبيرعلى مستوى المنظومة التربوية  العربية لا يمكنه أن يساهم في صقل ذائقة الجيل  الجمالية  والتي تكون أصلا متضعضعة  إن لم نقل منعدمة  نظرا  لغياب الدعم وتفشي الإهمال  في الوسط الأسري الغائب عن التربية  ، خصوصا تلك الأوساط  التقليدية  المحافظة  التي تعتبر الدندنة الموسيقية سوء أدب وقلة حياء ، فتكون  ميولات الطفل الجمالية  تحوم في الأرض وما يلقن له يرفرفرف  في السماء، فتعوق هذه التناقضات  التربية الصحيحة التي تكون قادرة على تكوين  شخصية إنسان سوي فاعل ومتفاعل وعاشق للمحيط الذي يعيش فيه !
فمن خلال هذه التربية نجهز على اختياراته ، ونمارس عليه القمع والتسلط ،ونحن نجهل أو نتجاهل أن( لكل عصر رجاله ) ولكل شخص ذائقته الجمالية الخاصة به ،فلنسلحه بالمباديء والأسس التربوية الأولية ونتركه يبحر في هذا العالم اللامتناهي ،  يحدد  ما يستحسنه وما يرفضه !
والتربية  التي لا تنبني على أسس ميولات الطفل الذوقية مع توفير هامش الحرية التي تمكنه من التفاعل الإيجابي مع محيطه لا يمكن أن ننتظر منها  المساهمة في تربية الذوق والذائقة الجمالية لهذا الجيل الذي أصبحت تربيته تخضع للسرعة و المكننة الآلية  لا أقل ولا أكثر .
يقول أحد الحكماء  :  للجمال مصدران :( المرأة والطبيعة ) ففي الطبيعة تتجلى كل مظاهر الجمال ، التي تشعرالمتلقي المتذوق بلذة جمالها وهو ليست له يد في ذلك  ، والمرأة رمز لجمال خلق  الله سبحانه وتعالى في مخلوقه   الذي فضله عن سائر الكائنات  وقلده زمام أمور الدين والدنيا ، وجعله خليفة له في الأرض  وأنزله نزول كرامة وعزة لا نزول مذلة وعقاب كما يعتقد البعض ، لكن ما هي انعكاسات هذه الظروف السياسية والاقتصادية والتاريخية على  مجتمعاتنا العربية في  الوقت الراهن ؟ و في هذا الواقع المتخن بالجراح؟
إن مجتمعاتنا  العربية وبدون استثناء ، مرت بظروف تاريخية عصيبة جدا  منذ فترة طويلة و لا زالت تعاني من ويلات الحروب والتشتت والتشرذم  ، فهذه الظروف القاسية   دمرت هذين المصدرين  للجمال ، فالطبيعة تحترق و تتشظى مظاهر جمالها تحت وطأة  وابل القنابل العنقودية ، وأزيز الطائرات وزمجرة الدبابات ،  والمرأة  رمز جمال الإنسان بصفة عامة تتشظى أشلاء في كل لحظة وحين،  حتما هذا سيساهم بشكل كبير في  إقبار الذائقة الجمالية وقتل الشعور بالجمال  في نفس هذا  الإنسان العربي صغيره وكبيره ، شيبه وشبابه ،فكيف ننتظر من طفل صغير تساوى عنده الدم بجرعة الماء :  أن يشعر بجمال الشجرة والقذيفة  الطائشة تقتلعها  من الجذور ؟ كيف لهذا الطفل وحتى هذا الكبير أن يتذوق حلاوة الحياة ومنزله ينهد فوق رأسه في كل لحظة وحين  ، وأجساد أبنائه الممزقة  يمتصها غبارمنزله المنهار ، وهو نفسه يشعر بأنه مشروع قبر مجهول آجلا أو عاجلا  ، فالذي  يصارع من أجل البقاء على قيد الحياة تموت فيه الذائقة الفنية  و يخنق في نفسه التذوق الجمالي للأشياء من حوله  ، فكسرة الخبز تفقد  طعمها ، لكن المهم أنها تملأ المعدة  وتحفظ من الموت جوعا إلى حين!
هذا واقع الذائقة الجمالية عند الإنسان العربي ، الذي أصبح مجبرا على تصنع هذه الذائقة  وممارسة نفاق تذوقي للجمال في كل شيء حتى في حياته الأسرية ، فالذي يقطر قلبه  دما لا يمكن أبدا أن تقطر شفتاه عسلا ،  هذا الواقع  الآسن  الذي يدمر إنسانية الإنسان ويشيؤه شيئا ليس ذا قيمة ، فيحول فيه  الشعور بالجمال  وتذوقه رغبة أكيدة في  موت محقق  يتوخى  منه الخلاص  من كابوس تتساوي فيه  ألوان قوس قزح  ويختلط فيه صراخ الصغير بولولة أمه ، فهذا الإنسان العربي   مغلوب على أمره  ، مقهور ،تصبح ذائقته الجمالية بهذا المفهوم من الكماليات  ومن المفاهيم المتجاوزة وليست من الحاجيات  التي ينتفع بها  ، لأنه فقد ، خاصية من خصائصه الإنسانية  التي تميزه عن الحيوان ألا وهي الذوق والذائقة ،  والإحساس بجمال الحياة وروعة الطبيعة  وجلال الملكوت اللامتناهي !
لكن  ربما يمكنه أن يتذوق ملوحة البحر ، ولكن حتما ،حتما سيتذوق سمك القرش ملوحة لحمه ، وهو في تغريبته هروبا من  موت  مفترض إلى موت محتوم ، تستوي فيه صفحة الماء فوق رأسه ورؤوس صغاره  !
إن الإنسان  كما هو معروف ابن بيئته تؤثر فيه  ويؤثر فيها ، وتتحكم في كل مقوماته  النفسية ، وذائقته الجمالية ليست بمنأى عن هذا التأثير والتأثر  سواء كان سلبيا أو إيجابيا ، و هو  في هذا العالم الذي يغلي كالمرجل على صفيح ساخن  ، تتشظى الذائقة الجمالية وتخرج عن طوع  هذا  الإنسان التائه في هذا اليم من الضجيج  ، الذي  يفقد كل الأشياء ، طعمها ،ويمارس التكلف والتصنع في ممارسة نفاق التذوق الجمالي، فقد تنعدم  أسباب  الذائقة الجمالية في هذه البيئة التي تكاد تكسر الرقبة بسرعتها وصخبها وضجيجها ، فيتظاهر بهذه الخاصية التي أصبحنا نفتقدها حيث تساوى كل شيء ، و فقد الجمال  بريقه ،وطعمه ، فلم  يعد لنا الوقت الكافي  لتذوق  جمال ما يحيط بنا  ، فتتكسر الذائقة الجمالية  على محراب هذا الضجيج والصخب ، وعلى أنقاضها تظهر ذائقة جمالية لا ذائقة لها ،ذائقة مزيفة تشي بواقع مزيف في كل مظاهره وسلوكات أفراده ،  فهذه المرأة لم تعد مصدرا من مصادر  الجمال ، فقد تم تشييئها وأصبحت تملأ الإعلانات الإشهارية  منشورة على قارعة الطريق  وتجوب صورها -عارية أو شبه عارية - القنوات  الفضائية  العالمية باسم روح العصر والحداثة  ، فيضيع تأثير جمالها في النفس،   فيفقد  إنسان العصر الحديث  الإحساس بجمالها ، كما يفقد الإحساس والشعور بجمال مظاهر الطبيعة من حوله  ،و التي فقدت  كل مقوماتها  الجمالية ، فرتابة  طلوع الشمس حتما ، تحطم الإدهاش والغرابة و تقتل الشعور بلذة الرؤية !
بقلم  الاستاذ صالح هشام
  ~الاثنين ٢٨نونبر ٢٠١٦~
المغرب الرباط