موقد الأدب...!!
**********
رسالة عتب، وعتاب يغلي على لظى جمر موقد الأدب.
في هذه الليالي الشتائية الباردة، ليس للأديب من موقد يتدفأ عليه إلا موقد الأدب،وهذه رسالة عتاب لأصدقاء موقد الأدب الذين يصمتون ولا يتكلمون بما تريد أقلامهم أن تبوح به من حقيقة ناصعة كنور الشمس.
كنت أريد أن أظلّ صامتاً،لأنّ الصمت ـ في رأيي ـ خير وسيلة للتعبير عمّا تجيش به الصدور،وأنّ نثره على شكل تعبير،يطفىء من جمر حرارته وهو جاثم بين السّطور،وخاصة وأنتم تتحلّقون في جلسة أدبية حول موقد الأدب.
يقول الشاعر (ابن حداد الأندلسي)في معرض تعليل ملازمته الصّمت:
فألقيْتُ أعباءَ الزمانِ وأهلَهُ == فما أنا إلاَّ بالحقائقِ عابئُ***
ولازمْتُ سَمْتَ الصَّمْتِ لا عن فَدامةٍ == فَلِي منطقٌ للسَّمْع والقلب مالئُ
وكما هو واضح من معنى هذين البيتين،لم تكن ملازمتي الصّمت،لعييّ عن الحجة والكلام،ولا عن فدامة كما قال شاعرنا ابن حداد الأندلسي،وإنما هو نوع من التماهي والترّفع عن موقف (العتاب) الذي نلصقه دائماً بطبع النساء،والصّمت عند بعض أدبائنا أبلغ من الكلام:يقول الشاعر خليل مطران:
الصَّمْتُ أَفْصَحُ وَالأَفْعَالُ نَاطِقَةٌ == مِمَّا تُنَمِّقَهُ الأقْوَالُ في الْخُطُبِ
ثمّ وجدت في ملازمتي الصمت نوع من الضعف،لأنّ عدم إحسان الصمت،ينمّ عن العجز في التعبير عن مكنون القلب،
ومن لايحسن الصمت، لايحسن الكلام..!!
يقول شاعر الزهد والحكمة (أبو العتاهية):
إِذا كُنتَ عَن أَن تُحسِنَ الصَمتَ عاجِزاً == فَأَنتَ عَنِ الإِبلاغِ في القَولِ أَعجَزُ
فيا أصدقائي الأعزاء:لم الصمت؟؟ولم الكلام؟؟
الصمت...لأنّ من تريد أن تعاتبه صديق صدوق،وأديب خلوق،وفي مثل هذه الحالة تجد أنك خاسر لمعركة، تقدم عليها، وأنت بلا عدة وعتاد، إلا في قولك الحقيقة،وقول الحقيقة صعب قبوله في كلّ زمان ومكان،وعندئذ ليس لك من موقف تقفه من صديق سوى ما قاله أبونواس:
مُت بِداءِ الصَمتِ خَيرٌ == لَكَ مِن داءِ الكَلامِ
ولكن عندما يرى الصديق المعاتِب، أنّ قدمي صديقه المعاتَب، لاتقف على أرض صلبة،وأنّ في استمرار تأرجحها واهتزازها،استمرار في الخطأ والبعد عن الحقيقة،فلايجد بداً من النطق والكلام،ويجد موقفه أشبه بموقف الشاعر الدمشقي
( ميخائيل خير الله ويردي)حينما قال:
لا تَعجَبوا إِن حِرتُ في تَقويمِهِم == قَولُ الحَقَيقَةِ أضعَفُ الإيمانِ
وفي هذا دلالة واضخة ،وجواب شاف على سؤالنا:ولم الكلام؟؟
وموقفي الجلي من قول الحقيقة ، يتجلى في معاني قول شاعرنا أبي القاسم الشابي:
أَنشُدُ الرَّاحَةَ البعيدَةَ لكنْ == خابَ ظنِّي وأَخطأَتْ أَحلامي
فمَعِي في جوانحي أَبدَ الدَّهرِ == فؤادٌ إلى الحقيقةِ ظامي
نعم ..ياصديقي العزيز،خاب ظنّي ممّن وجدت في إبحاري على متن قاربهم سبيلاً آمناً ومأموناً من ركوب المخاطر، وخوض غمار بحر الأدب،وهاهم اليوم يوقدون من جديد حطب موقد أسموه: موقد الأدب...!!ونسوا، أو تناسوا أنّ وقود هذا الموقد يجب أن يتعاون في توفيره وجمعه حطابون ماهرون،ولكن هيهات... هيهات ،لقد ألقى طوفان التجاهل والأثرة،بحطب البعض منهم، على شاطئ النسيان،وأصبح مبللاً رطباً لايشعل جمر موقد،ولا يؤجج الذكرى في نفس ولهان،فهل لي أن أسأل بعد هذا أيها الصديق المعاتَب سؤالاً، أتلقى عليه جواباً:أين ستذرو رياح الصداقة رماد جمر موقدكم،إن لم يكن وقوده من حطب الأصدقاء شعراً ونثراً؟؟!!
أتمنّى من كلّ قلبي أن لايكون جمر موقدكم متوهجاً إلا بحرارة الحبّ، والصفاء، والوطنيّ’،والجهر بالحقيقة الناصعة حتى ولو تجاهلها العالم كلّه.
وأن تدفىء حرارته قلوب كلّ المحبين،يقول الشاعر ابراهيم صادق من لبنان:
ودجية ليلات الشتاء فطالما == تقوم مقام الراهب المتعبد
وبعاً لنفس لا تفيض من الأسى == وطرف على طول المدى لم يسهد
ولكنه قد هون الوجد والأسى == وأثلج من جمر الفؤاد الموقد
ويا أصدقائي الأعزاء: لا أتمنى لموقدكم أن لايلهب في النفوس ولايذكي القلوب في ما رمى إليه شاعرنا أبو تمام بقوله:
أَحينَ قُمتَ مِنَ الأَيّامِ في كَبِدٍ == كَما أَنارَ بِنارِ الموقِدِ العَلَمُ
أَنشَبتَ نَفسَكَ في ظَلماءَ مُسدِفَةٍ = وَأَفسَدَتكَ عَلى إِخوانِكَ النِعَمُ
فالظلماء قاتمة،والنعم زائلة،ولا يبقى إلا ذكر المودة والصداقة،وهذا ماعبّر عنه ـ بلساني ولسان كلّ عاتب يغلي عتبه على جمر موقدكم ـ شاعرنا الفرزدق بقوله:
عَسى أَن يُعيدَ الموقِدُ النارَ فَاِلتَمِس == بِعَينَيكَ نارَ المُصطَلي حَيثُ أَوقَدا
الهامش:*** فدم :الفَدْمُ من الناسِ: العَيِيُّ عن الحُجَّةِ والكلامِ، والفِعْلُ: فَدُمَ فَدَامَةً.
أعتب، وكلّ عتابي جمر الانتظار، أحرقني طرقه أبواب صمتي، كنت أربت على لهفتي وشوقي..للحقيقة.... يا أصدقاء جمر موقد الأدب..!!
حيدر وطن
سورية سلمية
25.12.2016م
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق