الخميس، 27 أكتوبر 2016

عين على التراث تقديم الأديب والشاعر الأستاذ خالد خبازة...سورية/اللاذقية

عين على

كتب التراث

عبدالملك و الحجاج

و أسرى دير الجماجم

حكي أن الحجاج ، لما أسرف في قتل أسرى دير الجماجم ، و أعطى الأموال ، بلغ ذلك أمير المؤمنين عبدالملك بن مروان  فشق عليه ، و كتب اليه
" أما بعد ، فقد بلغني عنك إسراف في الدماء ، و تبذير في العطاء ، و قد حكمت عليك في الدماء في الخطأ بالدية ، و في العمد بالقود ، و في الأموال أن تردها الى مواضعها ، ثم تعمل فيها برأيي ، فانما هو مال الله تعالى ، و نحن أمناؤه ، فإن كنت أردت الناس لي ، فما أغناني عنهم ، و إن كنت أردتهم لنفسك ، فما أغناك عنهم ، و سيأتيك عني أمران :
لين و شدة . فلا يؤمننك إلا الطاعة ، و لا يوحشنك إلا المعصية , و إذا أعطاك الله عز و جل الظفر ، فلا تقتلن جانحا ، و لا أسيرا .
و كتب في أسفل الكتاب :

إذا أنت لم تترك أمورا كرهتها
و تطلب رضائي بالذي أنا طالبه

فان تر مني غفلة قرشية
فيا ربما غص بالماء شاربه

و إن تر مني وثبة أموية
فهذا وهذا ، كل ذا أنا صاحبه

فلا تأمنني و الحوادث جمة
فإنك تجزى بالذي أنت كاسبه

فلا تُعْدِِ ما يأتيك مني و أن تعد
يقمن له يوما عليك نوادبه

فلا تمنعن الناس حقا علمته
و لا تعطين ما ليس للناس واجبه

فإنك إن تعط الحقوق ، فإنما
النوافل شيء ، لا يثيبك واهبه

فلما ورد الكتاب على الحجاج ، كتب إلى أمير المؤمنين :
" أما بعد . فقد ورد كتاب أمير المؤمنين ، يذكر إسرافي و تبذيري ، و لعمري ما بالغت في عقوبة أهل المعصية ، و لا قضيت حقوق أهل الطاعة ، فإن كان قتلي العصاة إسرافا ، و إعطائي المطيعين تبذيرا ، فليمض لي أمير المؤمنين ما سلف ، و الله ما أصبت القوم خطأ فأود بهم ، و لا ظلمتهم عمدا فأقاد بهم ، و لا قتلت إلا لك ، و لا أعطيت إلا فيك ، و السلام عليكم و رحمة الله .
و كتب في أسفل الكتاب :

إذا أنا لا أبغي رضاك و أتقي
أذاك ، فليلي لا توارى كواكبه

و ما لامرئ بعد الخليفة جنة
تقيه من الأمر الذي هو راكبه

إذا قارف الحجاج فيك خطيئة
لقامت عليه في الصباح نوادبه

إذا أنا لم أدن الشقيق لنصحه
و أقصِ الذي تسري الي عقاربه

و أعط المواسي في البلاء عطية
لرد الذي ضاقت علي مذاهبه

فمن يتقي بؤسي ، و يرجو مودتي
و يخشى غدا ، و الدهر جم نوائبه

و أمري إليك اليوم ما قلت قلته
و ما لم تقله ، لم أقل ما يقاربه

و مهما أردت اليوم مني أردته
و ما لم ترده اليوم ، أني مجانبه

و قف بي على حد الرضا ، لا أجوزه
مدى الدهر حتى يرجع الدر حالبه

و إلا فدعني و الأمور فإنني
شفيق رفيق ، أحكمته تجاربه

فلما انتهى الكتاب إلى عبدالملك قال :
خاف ابو محمد صولتي و لم يعاود لأمر كرهته ، إن شاء الله تعالى ، فمن يلومني على محبته . يا غلام ، أكتب إليه :
الشاهد يرى ما لا يرى الغائب ، و أنت أعلى عينا بما هناك .

...

بين عبدالملك

وبعض أصحاب شبيب الحارثي

كثيرا ما تكون سرعة بديهة المرء ، و حسن تصرفه ، في الأوقات العصيبة ، و الأوقات المؤدية للهلاك ، سببا في نجاته ، بحسن تصرفه ، و بفصاحته و بلاغته ، و كثيرا ما كان اللسان سببا في هلاك المرء أو سببا في نجاته .

قيل أنه : أخذ عبدالملك بن مروان ، بعض أصحاب شبيب الحارثي ، و كان خرج عليه ، فقال له :
ألست القائل :

و منا شريدٌ و البطين و قعنب ... و منا أميرُ المؤمنين شبيب

فقال : يا أمير المؤمنين ، إنما قلت ومنا أميرَ المؤمنين شبيب و أردت بذلك مناداة لك ، فكان ذلك سببا في نجاته .

...
من كتاب " المستطرف في كل فن مستطرف " للأبشيهي

تقديم الأديب والشاعر خالد خبازة
سورية/اللاذقية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق