الخميس، 29 سبتمبر 2016

قصة بقلم الأديب القاص والروائي محمد عاشور....مصر/القاهرة

الفراشة والنار
/قصة قصيرة بقلم محمد علي عاشور
عندما أصبح لديه صفحة على( الفيس بوك) اعتلته السعادة واحتواه الفرح ،لكن من عمل له الصفحة قال له وهو حزين :احترس حتى لاتقع فى الحب.
رد عليه ضاحكا :لا تخشى علي ،فأنا أعي تماما هذه النقطة ،ونصحنى أصدقائي مثلما تنحصحني الآن ،فلن أقع فى هذا الخطأ،ثم كيف سأحب امرأة لم أرها .
قال له وهو مطرق: كالأعمى الذي يحب من لا يراه من روحه ويتعلق به و يملأ به حياته : إنه لعنة، ستجد نفسك تدخل فيه وتساق إليه سوقا ، وتحوم حوله كالفراشة التي تحوم حول النار ، وتعلم أنها محترقه ،لكنها تحوم وتحوم وهي مقتنعة أنها في الأمان ،لكن النار تنتظرها.
تركه  وانصرف وهو يتذكر كلامه ويبتسم ، ويقسم بينه وبين نفسه أنه لن يقع فى الحب مرة ثانية .
أخذ يجول فى صفحات (الفيس بوك) يقبل صداقات ويرفض صداقات ،يدخل (جروبات) وينسحب من أخرى،لا يطيل الكلام مع اي فتاة أكثر من دقائق ،فأول ما يشعر بعلو ضربات قلبه ،يهرب سريعا ،ويبتعد عن صفحته عدة أيام حتى يهدأ.
يعود إلى صفحته يصول ويجول ،ووجدها تكلمه ووجد عزوبة تقطر من ألفاظها، وحنانا يكاد يخرج من صفحته وينتشر حوله ليضفي على جلسته أمام الصفحة شذا وعطرا .
كان يقنع نفسه أن هذا نوعا من الإرتياح ليس أكثر وأنه لن يسقط فى هذا الشرك .
لكنه أخذ يساق سوقا إليها ،وكان يعود متلهفا إلى صفحته يفتحها ، ويفتح رسائلها و ينتظر الضوء الاخضر ليبدأ المحادثة فيلقي السلام .
كان يتكلم معها ولا يعرف ماذا يحدث ،وكان دائما ما يتذكر الفراشة والنار ،فكان يرتعد خوفا ،وينهي المحادثة ،أو يغلق دون أن يستأذن ،ويعود بعدها بعدة ساعات ليقول إن الكهرباء قطعت.
لكن قلبه كان معلقا بصورتها على الصفحة وابتسامتها التى تشرق الشمس معها.
أرق الفكر مضجعه وأقسم ألا يفتح الصفحة عدة أسابيع ،كان يعود لينظر إلى الكومبيوتر، و أصابعه ترتعش ، فقد كان يحن إلى لوحة المفاتيح كما تحن الفراشة إلى النار ،كما أخبره صديقه، فكان يهرب سريعا من أمام الكمبيوتر،و أصابعه تتحرك كأنها تنقر على لوحة المفاتيح.
حتى بر بقسمه ومضت الأسابيع، وعاد كالمجنون يبحث عنها وفتح الرسائل ليجدها كتبت(أين أنت؟ ).وجد قلبه يدق ، وصهد يخرج من وجهه ورأسه ، وظل جالسا ، وتعلقت عيناه بالرسالة،ولم يعد يفعل شيئا إلا أن ينظر إلى الرسالة ،حتى أطلت عليه وهى تسلم ، واذدادت النار اشتعالا ،و أخذت الفراشة تحوم وتبتعد،  وتقترب ، وتبتعد ،واقتربت المسافات بينهما ،واقتربت الفراشة ،وجاءت اللحظة،  وعبر عن حبه الذى دفنه فى قلبه ، وأحس بها أو كما أوهمه قلبه المريض أنها تبادله ، وتذكر كلام صديقه ولكنه أشاح بيده ،  فهى مختلفة كل الإختلاف .وغاص فى حبها ، لكن النار كانت تزيد اشتعالا .
وكأن سيفا مستلا ناصع البياض ينتظره ويتوجه إلى قلبه ، فقد وجد الحظر ينتظره دون أن يعرف السبب،
وكانت النار قد التهمت الفراشة، ورشق نصل السيف فى القلب
وأصبحت حياته أمام الكمبيوتر ينظر إلى صورتها  فى الرسائل ، بعدما اختفت الصورة التى كانت تضعها من مكانها
لكنه ظل يجلس أمام رسائلها ودمعة متحجرة لا تريد ان تنزل.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق