الأربعاء، 28 سبتمبر 2016

دراسة بقلم الأديب والشاعر خالد خبازة.....سورية/اللاذقية

لغتنا الجميلة

في علم البيان وعلم البديع

البحث الأول

أخوتنا الأعزاء

لا بد للشاعر   ليكون شاعرا  أن يكون  .. ملما بقواعد البيان من استعارة و كناية و غيرها . عارفا بالمحسنات البديعية .. يملك مفردات من اللغة تسمح له بالخوض في غمار القافية ... وأن يمزج قوافيه بصدق العاطفة 
.. يقول حسان بن ثابت

: وان أحسن بيت أنت قائله ... بيت يقال اذا أنشدته  صدقا

ثم على الشاعر أن لا يأتي  المعاني بصورة مباشرة .. فلا بد من اسيتعمال قواعد البيان  من  استعارة و كناية __

و تأكيدا لهذا المبدأ  لا بد من ذكر واقعة في تاريخ الأدب العربي ..

ذلك أنه ..  عندما القى الراعي النميري قصيدة يمدح بها الخليفة الأموي عبدالملك بن مروان يقول فيها  :

أخليفة الرحمن انا معشر ... حنفاء نسجد بكرة و أصيلا

عرب نري لله في أموالنا ... جق الزكاة منزلا تنزيلا

فقال له عبدالملك :

ليس هذا شعرا .. هذا شرح اسلام و قراءة آية  ..

كما نذكرواقعة أخرى  و هي  استهجان الشاعر مروان بن أبي الجنوب بالشاعر علي بن الجهم عندما قال للمتوكل في قصيدة له :

الله أكبر و النبي محمد ... و الحق أبلج و الخليفة جعفر

فرد عليه مروان بن أبي الجنوب مستهزئا  :

أراد بن جهم أن يقول قصيدة ... بمدح أمير المؤمنين فأذّنـــــا

فقلت له : لا تعجلن باقامة ...  فلست على طهر فقال و لا أنا

فليس بالامكان تجاهل هذا النقد اللاذع النابع من الإحساس بأن الراعي النميري أو علي بن الجهم لم يكونا يقولان شعرا و انما نظما

وبالتالي فقد ميز القدماء  بين الشعر الحقيق و بين النظم ..  و نعود فنذكر أنه لا بد للشاعر  من الالمام بقواعد علم البيان  .. من استعارة و تسبيه و كناية  و غيرها 

و سنبحث في هذا المقال أولا .. في الاستعارة

الاستعارة :

هي  ، كما يقول عبدالقاهر الجرجاني ، في كتابه " أسرار البلاغة " ضرب من التشبيه ، و نمط من التمثيل ،  و التشبيه قياس ، و القياس يجري فيما تعيه القلوب ، و تدركه العقول ، وتستفتى فيه الأفهام و الأذهان ، لا الأسماع و الآذان .

يقال : هي استعارة الشيء المحسوس ، للشيء المعقول ( المعنوي )  ، كقوله تعالى :

"   لا تظلمون فتيلا "  " و لا يظلمون نقيرا " " و ما يملكون من قطمير "

و الاستعارة  أوْكَدُ  في النفس من الحقيقة ، و تفعل في النفوس ما لا تفعله الحقيقة . و كقوله تعالى أيضا :

" و اخفض لهما جناح الذل من الرحمة "

و هنا نرى استعارة لفظة  " الجناح " ، و أضافتها الى لفظة  " الذل  " .. الذي لا يمكن أن يكون له جناح أصلا .. و هو معنى مجازي
و كقوله أيضا :

"  و اشتعل الرأس شيبا  "

فقد استعار فعل الاشتعال الى الرأس .. وهو معنى مجازي أيضا .

و الاستعارة ، كقول الشاعر :

و عري أفراس الصبا و رواحله

و قال الآعرابي :

كانوا اذا اصطفوا ، سفرت بينهم السهام ، و اذا تصافحوا بالسيوف ، قفز الحِمام .

فالاستعارة هنا في " عري أفراس الصبا ، و سفرت بينهم السهام ، و قفز الحمام .. الخ

ومن أحسن الاستعارات في الشعر قول ذو الرمة :

أوردته و صدور الليل مسنفة ... و الليل بالكوكب الدري منحور

و قوله أيضا , و هو من أجمل الاستعارات :
حيث نلاحظ كيف استعار الشاعر فعل ذوى ، و أضافه للعود ، كما
استعار الشاعر  الملاءة ، وهي لباس  للآنسان أصلا ، و أضافها للفجر ، فكأنه اعتبر الفجر كالانسان يلبس عباءة ، خبأ خلالها نجوم الثريا ، وهو معنى رائع  :

أقامت به حتى ذوى العود في الثرى ... و ضم الثريا في ملائته الفجر

كما أحسن أبو تمام بقوله :

لا تسقني ماء الملام فانني ... صب قد استعذبت ماء بكائي

ثم لننظر الى أبيات كثير عزة ، التي أثنى عليها  كثير ، من اللغويين و الشعراء ،  فكانها الماء جريانا  ، و الهواء لطفا ، و الرياض حسنا ، و كأنها النسيم ، أو كأنها الرحيق ، أو الديباج في مرامي الأبصار ، و لنرى مدى جمالها و روعتها ، و الى ما فيها من استعارات جميلة رائعة  :

و لما قضينا من منى كل حاجة ... و مسح بالأركان من هو ماسح
و شدت على متن المهارى رحالنا .. و لم ينظر الغادي الذي هو رائح
أخذنا بأطراف الأحاديث بيننا ... و سالت بأعناق المطي الأباطح

لننظر الى عبارة  " و سالت بأعناق المطي الأباطح  " هذه الاستعارة الرائعة ، اذ لا يمكن لقارئ هذه الأبيات ، الا أن يتصور و يتخيل أعناق الجمال ، فيتخيل  السهول و التلال و  كيف يراها كأنها تسيل و تسير أمام عينيه متلازمة بأعناق الابل  .   :

أخذنا بأطراف الأحاديث ، سالت بأعناق المطي الأباطح

لقد وقعت الاستعارة موقعها ، و أصابت غرضها ، حتى وصل المعنى الى القلب ، وصوله الى السمع ، و استقر في الفهم ، مع وقوع العبارة في الأذن ، و لسلامة الكلام من الحشو غير المفيد .

ولا بد من القول أن موضوع الاستعارة بحث طويل ، و قد اختصرت ما فيه الكفاية , لنتعرف على موضوعها ، و هي بحث هام للشاعر كما الناثرأيضا 
...

خالد خبازة
.....

المراجع ..  عدد من كتب التراث

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق