الخميس، 1 ديسمبر 2016

قصة بعنوان { جنون الحياة } بقلم الأديب القاص أسامة عوض / مصر / القاهرة

جنون الحياة
عادت زهرة إلى بيتها تدور رأسها كالعادة، ليست مشاكل العمل وقلة الراتب وحدها، فقد جاوزت الخمسين ولم تعد تقوى على هذا العمل، لاتزال همومها تجثم على قلبها، بسرعة بدلت ملابسها واستلقت على أريكتها، تشتاق أن تكمل الرواية التي بدأتها، فهى ترى فيها نفسها والبطلة تحمل نفس اسمها، فتحت على الصفحة التي توقفت عندها، الأب على فراش الموت يوصي زهرة ابنته: لا تهتمي لما فعله إخوتك معك بنيتي، أنت الكبيرة، نزلت دموعها بغزارة، وهى تتذكر كيف قضت عمرها في خدمتهم ومالاقت منهم، منحتهم زهرة شبابها ولم تتزوج من أجلهم، أحست بيد أمها على كرسيها المتحرك تتحسس كتفها وتقول لها: مابك زهرة ؟ لا تبكي يابنتي، علت ابتسامتها وجهها تخالطها دموعها، هذه من المرات القليلة التي تعود الذاكرة لأمها وتتذكرها، يدخل أخوها الكبير الغرفة يقول بحده: ألن تكفي عن البكاء، دائما تنتحبين، نحن في هذا الفقر بسببك، ثم  وجه كلامه لوالديه: ألن ننهي هذا الأمر؟ نحن نحتاج مال أنا وإخوتي، أكتب لكل واحد فينا نصيبه كي نتصرف فيه كما نشاء، رد عليه أبوه: لم أمانع ياولدي لكنكم رفضتم إعطاء زهرة نصيبها، تذمر الولد وقال لماذا تريد أن تعطيها، نحن ستة ولدينا أولادنا ومصروفاتنا كثيرة، هى ليس لديها شيء تنفق فيه، تنهدت وقد زادت دموعها وقالت: لا أريد شيئا يا أبي ربنا يطول في عمرك ويخليك لينا، دق جرس الباب تركت رواياتها وفتحت الباب فإذا هو محصل الكهرباء، ارتبكت حين وجدته أمامها، قال لها: هذا هو الشهر الثالث ولم تدفعي الفاتورة، أبوك_ رحمه الله _ كان لا يتأخر شهرا واحدا، وكذلك إخوتك الآن يدفعون في الموعد، لم تجد سببا هذه المرة، خلعت الخاتم الوحيد في يديها، وهى تتذكر حين أهدته لها أمها قبل أن يأخذها إخوتها لبيت أحدهم ليحصلوا على نصيبها من ميراث أبيهم، ثم أغلقت الباب وعادت لروايتها مرة أخرى تعزي نفسها بقراءتها، يرد أبوها عليها : لا يابنتي لا يمكن أن أظلمك أبدا سأترك كل ما جمعته من ملايين وممتلكات لتقسم بينكم بشرع الله وأوصيك أن تختاري هذا البيت من ضمن ميراثك كي يكون لك مأوى من تقلبات الدهر، انهار الأخ صارخا بكلمات مبهمة وخرج غاضبا وهى تبكي وتدعو له بالهداية، وأمها تحاول أن تهدئها تقول لها لا عليك يا بنتي، يرتفع صوت أبيها قائلا لا إله إلا ... ويكررها، تحتضنه بقوة وتظل في حضنه، مرة أخرى يدق جرس الباب تنتفض زهرة وتفكر هل تفتح هذه المرة أم تتجاهل وتكمل روايتها، تقوم إلى الباب ببطء ، تنظر من العين السحرية فإذا هو أخوها، ترددت قليلا، لماذا جاء؟ مر شريط ذكرياتها معه، كيف كان يضربها كثيرا هو وزوجته وباقي إخوتهارغم تضحيتها من أجلهم، كيف أجبروها على التنازل عن ميراثها تحت تهديد القتل، وكيف عذبها حين رفضت التنازل عن هذا المنزل وصية أبيها لها، لعله جاء يعتذر، هو أخي مهما حدث، هو لحمي ودمي، ربما أنبه ضميره ليعود  لرشده، كم أشتاق له ولباقي إخوتي وأمي، قد يكون أحضرها معه، دقات سريعة على الباب تنتشلها من تفكيرها، تفتح الباب، ترتمي في حضن أخيها، تقول حمدا لله على سلامتك، وحشتني يا حبيبي، أزاح يديها ودخل المنزل ثم قال هذه هى يا حضرة الضابط، أنظر ماذا تفعل، تعتقد أني حبيبها وعشيقها، جنونها واضح، لقد شاهدت ذلك بنفسك أيها الطبيب_ يومئ الطبيب نعم وهو يتحسس جيبه_ هيا اقبضوا عليها وسلموني مفاتيح المنزل، يأمر الضابط حراسه بتقييدها وزهرة لا تستوعب الأمر، تنفلت منهم وتجري نحو روايتها، تحتضنها بشده وتصرخ: انتظروا حتى يكمل أبي نطق  الشهادة .. انتظروا.. حتى أكمل الرواية .... نهايتها مختلفة ...انتظروا...

أسامة عوض/ مصر
جدةم/27/10/2016'

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق