نافذة على
الشعراء العرب
الشاعر الأول
صريع الغواني ( مسلم بن الوليد )
هو مسلم بن الوليد الأنصاري ، شاعر غزل من أهل الكوفة ، نزل بغداد فاتصل بالرشيد فأنشده ، ولقبه " صريع الغواني " فعرف به ، وذلك لقوله :
هل العيش إلا أن تروح مع الصبا ... و تغدو صريع الكأس ، و الأعين النجل
مدح الرشيد والبرامكة ، و ذا الرياستين ، فقلده مظالم " جرجان " وهو أول من أكثر من البديع في شعره ، وتبعه الشعراء فيه توفي سنة 208 هجرية الموافق 823 ميلادية .
و يقال أن أول من لقب بصريع الغواني هو " القطامي " لقوله
صريع غوان راقهن ورقنه ... لدن شاب حتى شاب سود الذوائب
كان مسلم بن الوليد مطلوبا من الرشيد ، وكان متهما بالتشيع ، فلما ظفر به ، أتى به إلى الرشيد مع مطلوب آخر " أنس بن أبي شيخ " كاتب البرامكة ، قال : أيه يا مسلم ؟أ
أنت القائل :
أنس الهوى ببني علي في الحشا ... و أراه يطمح عن بني العباس
قال : يا أمير المؤمنين ، بل أنا الذي أقول :
أنس الهوى ببني العمومة في الحشا ... مستوحشا من سائر الاينـــــــــــــــاس
و إذا تكاملت الفضـــــــــــائل كنتم ... أولى بـــــــــــــــــــذلك يا بني العباس
فأعجب الرشيد من سرعة بديهته . وقال له بعض جلسائه : استبقه يا أمير المؤمنين ، فإنه من أشعر الناس ، وامتحنه ، فسترى منه عجبا . فقال له : قل شيئا في أنس ( المقصود أنس كاتب البرامكة الذي كان مطلوبا من الخليفة ) فقال : يا أمير المؤمنين ، أفرخ روعي ، أفرخ الله روعك يوم الحاجة إلى ذلك ، فإني لم أدخل على خليفة قط . ثم أنشأ يقول :
تلمظ السيف من شوق إلى أنس ... فالموت يلحظ ، و الأقدار تنتظر
فليس يبلغ منه ما تؤمله ... حتى يؤامر فيه رأيك القدر
أمضى من الموت إلاعند قدرته ...و ليس للموت عفو حين يقتدر
ثم قال له الرشيد : أنشدني قصيدتك ، التي تقول فيها " الوحل " فاني رويتها و أنا صغير ، فأنشده شعره الذي أوله وهو في الخمرة :
أديرا علي الراح ، لا تشربا قبلي ... و لا تطلبا عند قاتلتي ذحلي
حتى انتهى الى قوله :
إذا ما علت منا ذؤابة شارب ... تمشت به مشي المقيد بالوحل
فضحك الرشيد ، و قال : ويحك يا مسلم ؟ا أما رضيت أن قيدته حتى جعلته يمشي في الوحل . ثم أمر له بجائزة و خلى سبيله .
ومن المستحسن من أشعاره قوله في الدهر و الدنيا :
حسبي بما أدت الأيام تجربتي ... سعى علي بكأسيها الجديدان
دلت على عيبها الدنيا و صدقها ... ما استرجع الدهر مما كان أعطاني
وقوله في الرثاء :
أرادوا ليخفوا قبره عن عدوه ... فطيب تراب القبر ، دل على القبر
و يقال أن أهجى بيت بين المحدثين قوله :
أما الهجاء فدق عرضك دونه ... و المدح عنك ، كما علمت ، جليل
و قال وهو معنى جميل أيضا :
ضعيفة أثناء التهادي كأنما ... تخاف على أحشائها أن تقطعا
وقوله وفيها من البديع ما هو جميل ، إضافة إلى التقطيع الحسن :
موفٍ على مهجٍ ، في يوم ذي رهجٍ ... كأنه أجلٌ ، يسعى إلى أملِ
و قوله في الرثاء :
و إني و اسماعيل بعد فراقه ... لكالغمد يوم الروع زايله النصل
فإن أغش قوما بعده و أزورهم ...فكالوحش ، يدنيها من الأنس المحل
و قوله :
يجود بالنفس إن ضن الجواد بها ... و الجود بالنفس أقصى غاية الجود
....
الشاعر الثاني
أسماء بن خارجة الفزاري
أسماء بن خارجة بن حصن بن حذيفة بن بدر بن عمرو بن جوية بن لوذان بن ثعلبة .
شاعر جاهلي أدرك الإسلام و عاش في أيام دولة بني أمية .. و يعتبر من شعراء الدولة الأموية .
ولد 30سنة قبل الهجرة الموافق 593 ميلادية و توفي في عام 60 هجرية الموافق 679 للميلاد .
كان شريفا جوادا كريما لبيبا ، و كان شابا يوم " صحراء فلج " في الجاهلية .
و كان يقول :
ما أحب أن أرد أحدا عن حاجة طلبها ، لأنه لا يخلو أن يكون كريما فأصون له عرضه ، أو أن يكون لئيما فأصون عرضي منه .
كانت ابنته هند زوجا للحجاج ، فلما أراد الحجاج البناء بها .. قال لها أبوها أسماء :
يا بنية ! إن الأمهات يؤدبن البنات ، و إن أمك هلكت و أنت صغيرة ، فعليك بأطيب الطيب الماء ، و أحسن الحسن الكحل . و إياك و كثرة المعاتبة ، فإنها قطيعة للود ، و إياك و الغيرة فانها مفتاح للطلاق . و كوني لزوجك أمة ، يكن لك عبدا ، و لا تدني منه فيملّك ، و لا تتباعدي عنه فيتغير عليك ،. و اعلمي أني القائل لأمك :
خذي العفو مني تستديمي مودتي ... و لا تغضبي في ثورتي حين أغضب
و لا تنقريني نقرك الدف مرة ... فإنك لا تدرين كيف المغيّب
فإني وجدت الحب في الصدر و الأذى ... إذا اجتمعا لم يلبث الحب يذهب
كان ابنه مالك بن أسماء بن خارجة من ولاة الحجاج و عماله .
و له شعر جيد رائع ، و كان يقول : ما شتمت أحد قط .
و كان الشعراء كثيرا ما يمدحونه . و قد مدحه عبدالله بن الزبير بن الأعشم الأسدي بقوله :
تراه إذا ما جئته متهللا ... كأنك تعطيه الذي أنت سائله
و لو لم يكن في كفه غير روحه ... لجاد بها ، فليتق الله سائله
يقال ان أسماء بن خارجة مرّ بالفرزدق وهو يهنأ بعيرا له بنفسه ، فقال له أسماء :
يا فرزدق !.. كسد شعرك ، و اطرحتك الملوك ، فصرت إلى مهنة إبلك ، فقد أمرت لك بمائة بعير . فقال الفرزدق فيه يمدحه :
إن السماح الذي في الناس كلهم ... قد حازه الله للمفضال أسماء
يعطي الجزيل بلا منٍّ يكدره ... عفوا و يتبع آلاء بنعماء
ما ضرّ قوما إذا أمسى يجاورهم ... ألا يكونوا ذوي إبل و لا شاء
و أتى الأخطل يوما ، أسماء بن خارجة في خمس ديات ليحملهن ، فحملهن ، و قال لبنيه وهم حوله :
أقسمت عليكم إلا حملتم له مثلها ، فقال الأخطل يمدحه :
إذا مات ابن خارجة بن حصن ... فلا مطرت على الأرض السماء
و لا رجع اليشير بخير غنم ... و لاحملت على الطهر النساء
فيوم منك خير من رجال ... يروح عليهم نعم و شاء
و بورك في أبيك و في بنيه ... إذا ذكروا ونحن له الفداء
أما ما وردنا من شعر أسماء بن خارجة . فقد أورد الأصمعي هذه القصيدة في أصمعياته ، عروضها من الطويل ، و قافيتها من المتواتر ، وهي تتألف من ستة و ثلاثين بيتا ، يقول فيها :
آني لسائل كل ذي طبِّ ... ماذا دواء صبابة الصبِّ
و دواء عاذلة تباكرني ... جعلت عتابي أوجب النحب
أوليس من عجب أسائلكم ... ما خطب عاذلتي و ما خطبي
أبها ذهاب العقل أم عتبت ... فأزيدها عتبا على عتب
أوَلَم يجربني العواذل أو ... لم أبلُ من أمثالها حسبي
ما ضرها أن لا تذكِّرني ... عيش الخيام لياليَ الخِبِّ
ما أصبحت في شر أخبية ... ما بين شرق الأرض و الغرب
عرف الحسان لها جويرية ... تسعى مع الأتراب في أتب
..........
خالد ع . خبازة
سورية اللاذقية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق