قــصة قـــصيــرة : حــيــدوس
محــمــد لغــريــســي
الخــميــســات 2014
الـــمغــرب
------------------------
حضــــر الناس بعدد النمل،وبعدد حبيبات العرق.
طلقات البنادق تنهمر كأمطار شباط "فــبرايــر" دون انقطاع
زغاريد النساء البهيات اللواتي يشبهن جدتي الأولى،تتصاعد كتباشير مسيحية، وترتفع..
موج ..
في موج..
في أمواج .
والهضبة الخضراء القريبة من دارنا،تتكلم معي صامتة،تضحك معي صامتة وتقبلنـي من فــمي.
أوراق نقدية نحاسـية مخلوطة بحبات الملح الحية تتساقط فوق سلهامي.
---------------
أنـت اليـوم وزيرتي.
أحلــم اليوم يا زيـنب أن أتبلل بدقات الدفــوف التي أسمــع،أن أنخرط في الدوائــر والمتاهات وأصيح ك "حي بن يقــظـان" في البراري.
عظامــي:إلى خاتمك الفاسي عاطشـــة،أقدامي بين الناس تتشابك،لكنها أمام خليج جســدك تتجمد كتمثال "بـطـليموس".
----------------
أصابع الراقصين المتهافتة تكتب الإيقاع تلو الإيقاع،
خناجرهم النحاسية تعيدني إلى أبواب القرطاجيين، ومعاصر النبـيذ ب:" ليكسوس." .
تتمايل الراقصات مثل طقـوس "ميثولوجيـة"،هــلال من الأصـوات والحركات،أقـدام كجذوع الزيتون تلثم اليابسة برأفة،تقبلها كما تقبل الحية الشرقية فريستها.
الهضبات مازالــت تتكلم معـي.
الهضبات تتحــول إلى فقاعات زرقاء،وأقراط يهودية منقوشة.
الأجـراف السحيقة في الأنهارالمجاورة تتطلع إلى الدهشة المنتظرة.
نون البحيرات يتهادى كخيوط..
----------------
ولجت الغرفة الثانية فوق الهضبة:
رحى الجدات تدور وتدور،
زينب داخت.ارتبكت.هربت بعيدة.تركتني أمضغ خيوط الصوف المعتقة..ولم أشبع ..
قلت لنفسي:
-هكذا يجب ان أفعل مع الوزيرة .سأداعب نغمة الدف لتمتزج الفرحة بالأمطار.
في الصباح..أصابت نار الحمى كل طرف مني.
رتل شيخ القبيلة أدعية لي.
غمغم..ثرثر..تأثر لحالي.
سألته:
- الحمى سألبسها وتلبسني..
ولذة " آحيدوس " أين سأجدها يا سيدي؟
--------------------
شرشــرة الشاي الشهي تسيـر إلى مسامعي، محملة بأطنان من الذكريات،رائحة البارود مازالت في أنفـي وخياشيمي الإفريقية كعطرأمي،رائحة الحناء ورائحة الغرام الأول.
قشعريرة بمفاصلي.
وضع رهــيب...
سألتني الظلال
ومتى ستلج الى طقس الوزيرة؟
قلت:
- لا يمكن أن أبقى اليوم كإجاصة فاسدة فوق صحن.
همــس أبي في أذني، شرح لي ما لايشرح أبدا،دنت أختي الكبيرة من النار التي ترتديني، أطعمتني طنا من جوز الطيب والثوم والبهارات.
شتمني جـدي.
وصفعـتني جدتي بمنديلها الأقحواني.
وهجت كالبحار..
قلت:
- ياأمي،سأدخـل الى الطقس حالا،أنااليوم سأكون سلطان الأوراس ونواحي تلمسان.
امتلأت خدود أمي بالدم..
قالت :
-ادخل حالا ياقرة العين وأنس الفؤاد ،وأسعدني،وإلا سوف نعيش بين الأدغال في ذل دائم،ونختبىء بين الأغصان.
-------------------
ذهبت إلى اشبـيلية واشتريت من سوق النخاسة القديم خادما،أخصيت ابن السلحفــاة،
أنا لا أثــق في كل الذكور،وإن تجلــت لي أعناق الرجال معلقــة فوق قوس المدينة..لا مشكلة إن حمـــل لها الماء من نهـر البندقية على ظهره المتينة،لا مشكلة،إن مات الكلب وهو يبايعـها.
أمرته:
-عليـك أن تحـرس بلغتها البراقة وأقرطها الوطاسية الثقيلة،
فبلغتها الموشحة بالعقيق الفاســي أغلى من"ولـيلي"كلها،
ومن أبواب الإمبراطورية الرومانية كلها،
وقرطها هـوالبدر الكامل
والكوكب الشامل.
فهل فهمت حدود دولتي؟
اسمع ياخادمي..:
- إذا ســـرق اللصوص شيئا من الحيــدوس،فإني سوف أفصل رأسك عن التاريخ،وأتركك تتســكع فــي زقاقات قرطبة،وطليطلة.
ابتهجت أمي لصنيعي..
--------------------
رئيس الراقصين يصيح كأسد "أزرو"يـنط وينـط كانه قرد نيجيري،يسبـح فـي خيالـي.
أسـأل:
من أنت يا رئيس الجوقة؟
أأنت الحصان الذي سيتكلم معي؟
أأنت : امرؤ القيس العربي؟
أم انت شجاعتي الخاملة بين أسناني؟
وتعتقلني المرايا العديدة والأطياف السعيدة...
يعتقلني وشــم السيدات.
يطير بي صوت خلخالهـن إلى سطح القمـــر، يضغطن على "الــبنديـر" المقــدس ،فتعلو عيدان الحناء والقرنفـل والخزامى ممزوجة إلى منخاري.
---------------------
دخلت إلى الغرفة الخامسة من الخيمة:زغردت جارتنا،كأنها تشجعني على اكتساح أول ليلة في عمري.
هذه الليلة:
إما ستنبت شواربي ويشتهـــراسمي بين القبائل المجاورة،وإما سينطفىء النعناع العربي..فيسخـــر مني الرعاة وقائد الجماعة القروية وقطاع الطرق الملتوية.
صحت في نفسي :
-لا ..لن نختبىء بين الأدغال يا أمي..
واكتسحت الأغصان.
اسمعوا..
- يارجال القبيلة،
هيا أضيفوا البخور
والملح الحية
وعود القماري.
.أحرقـوا الدفوف الجلدية بالنقـر والتطبيل.
لا..
لا.. تتوقفوا
......
فـدخلـت إلى زمن زيــنب كفارس مرابطي،وكانت غرفتنا السابعة فسيحة.
قلت لخادمي :
- لا تنس أن تحضر لي حصاني الأخضر.
أحضره حالا.
ولا تسألنــي..
.....
كانت الليلة مقمرة،اندفعـت ككرة الثلـج بين أكتاف الراقصين،سرقت القمر.
لففـت معشوقـتـي في أثـواب الموشحات،وطرت برفقتها بلا جناح نحـو الأدغال والأدغـال...
ركبت خلف علبة الشوكولاتـة.
الحصان يعـدو ويعــدو..
وبعــدها..
توالت رقصاتهم،تقاطرطنين دفوفهم على الهضبة،ودلفت كفرس نهر متوحش إلى "حيـدوس" الوزيرة.
؛~~~~~~~~~~
تعريف :
آحيدوس رقصة عريقة مصحوبة بأهـازيج موزونة تمتد من: جنوب- شرق المملكة إلى حدود مدينة "الخميسات."
إنه فن يعبر عن هوية منطقة الاطلس المتوسط بامتياز.
وهو يستمد شعلته الروحية هاته من حياة الامازيغيين البسيطة.
كما ان كلماته تعبر عن الولع بالمرأة والأرض وتمجد البطولة والتشبت بالأرض الى حد الشهادة.
رقــصة "أحيـدوس":تؤديها غالبا "فرقـة" تتكون من نساء ورجال.
إما على شكل دائرة.
أو نصف دائرة أو على شكل صفين متقابلين
أثناء " أحيدوس" :تتزين المراة بأبهى العقيق والأقراط والحلي المحلية،أما الرجل فيرتدي الجلباب ويعتمر بالعمامة: الرزة".
في "أحيدوس" يلتحم الرجال بالنساء تعبيرا عن وعي "سوسيـولوجي" فريد يميز الأمازيغيين عامة.
فالقبائل الأطلسية تتميز بكونها تحتفل بالفرح بشكل أسطوري ،فتعطيـه بعدا إنسانيا رغم متاعب الحياة وقساوة المناخ والتضاريس.
"أحيـدوس":تجسيد فكري لروح العدالة والمحـبة بين أفراد القبيلة،حيث تتلاحم الأكــتاف وتهتز بوتيرة متساوية مرفوقة بضربات"البندير"فيتساوى داخل أجوائها الحركية :الفقير والغني،ابن القبيلة والوافد عليها،المرأة والرجل، المقيم بالبلـد والقاطـن بديار المهجر..." جزء من مقالة نشرتها عن فن احيدوس"
محمد لغريسي
المغرب الخميسات
2014م
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق