لغتنا الجميلة
في علم العروض و القافية
البحث الثاني
في القافية
كنا تحدثنا في البحث الأول عن القافية و أحرفها و أنها مجموعة الحروف التي ينتهي بها البيت الشعري ، و يتحدد مجموعها بآخر حرف ساكن في البيت والذي يسبق حرف الروي وما بعده من الأحرف ، مضافا إليها الحرف المتحرك الذي يأتي قبل الحرف الساكن المذكور مباشرة ، فمجموع هذه الحروف ، هو ما يسمى " حروف القافية " و يسمى الحرف الأخير المتكرر مع الأبيات التي بعد البيت الأول " الروي " فيقال قصيدة رويها باء أو لام أو جيم ..الخ ..
و بالتالي ، لكي تكون القصيدة متوازنة و القافية مطمئنة وسلسة عذراء لا خطأ فيها ، أن تكون مجموع هذه الحروف في البيت و ما يليه من أبيات منسجمة و متفقة ، و إلا اعتبر ذلك خللا ، و اعتبرت القافية معيبة . ليس من حيث تكرار جميع هذه الحروف ، و إنما يجب أن تكون هذه الحروف متفقة و متوافقة من حيث الحركة و السكون فيما بينها وفي جميع الأبيات اللاحقة
و القوافي :
ثلاثون قافية ، يجمعها خمسة أسماء : متكاوس ، متراكب ، متدارك ، متواتر ، و مترادف .
1- فللمتكاوس منها واحدة ، فهي كل قافية توالت فيها أربع حركات بين ساكنين . و إن اشتقاق المتكاوس من قولك : تكاوس الشيء ، إذا تراكم ، فكأن الحركات لما تكاثرت فيه ، كأنها تراكمت .. كقول العجاج :
قد جبر الدينَ الإله ُ فَجَبَرْ
و كقوله أيضا :
هلا سألت طللا وَ حَمَما
2- للمتراكب أربع قواف وهي كل قافية توالت فيها ثلاثة حركات بين ساكنين . مأخوذ من قولنا : تراكب الشيء إذا ركب بعضه بعضا . كقول الشاعر (1) :
و ما نزلتُ من المكروه منزلة ... إلا وثقت بأن ألقى لها فَرَجا
3- و للمتدارك ست قواف وهي كل قافية توالى فيها حرفان متحركان بين ساكنين , كقول زهير بن أبي سلمى :
و من يك ذا فضل فيبخل بفضله ... على قومه يستغن عنه و يذمَمِ
كأن الحركتين تداركتا فيه
4- و للمتواتر سبع قواف وهي كل قافية فيها متحرك واحد بين ساكنين . كقول أبي خراش الهذلي :
حمدت إلهي بعد عروة إذ نجا ... خراش ، و بعض الشر أهون من بعْضِ
وهو مأخوذ من الوتر ، يعني الفرد
5- و للمترادف اثنتا عشرة قافية ، و هي كل قافية كان آخرها ساكنان و يقال له المترادف لأنه ترادف فيه ساكنان .. كقول الشاعر (2) :
مَنْ عائدي الليلة أم مَنْ نصيحْ ...بتُّ بهمٍّ ففؤادي قريحْ
أو كقول الآخر (3) :
رفّعتَ أذيال الحفي و أربعْنْ ... مشي حيياتٍ كأن لم يفزعْنْ
أن يُمنع اليوم نساءٌ يُمنعْنْ
أما الحروف اللازمة للقافية ، فهي :
التأسيس و الردف و الروي و الوصل و الخروج .. و الأفضل البدء بالحديث عن الروي
و حرف الروي :
هو الحرف الذي تبنى عليه القصيدة ، و يلزم في كل بيت منها في موضع واحد . نحو قول الشاعر (4) :
إذا قل مال المرء ، قل صديقه ... و أومت إليه بالعيوب الأصابع
العين هنا ، هو حرف الروي وهو لازم في كل بيت . و جميع حروف المعجم تكون رويا ما عدا الواو و الياء و الألف اللواتي يكنّ للإطلاق ، و هاء التأنيث و هاء الإضمار إذا ما تحرك ما قبلها ، و ألف الإثنين و واو الجمع إذا انضم ما قبلها .
والروي هو آخر حرف في القافية المقيدة و هو قبل الوصل في الشعر المطلق .. فالروي في المقيد كالراء في قول امرئ القيس :
فلا و ابيك ابنة العامري ... لا يدعي القوم أني أفرْ
و في المطلق كالميم في قول
و لن يلبث المصران يوم و ليلة ... إذا كلبا أن يدركا ما تيمما
و في الروي من التمكن ما ليس في غيره من الحروف اللازمة ، فقد نجد شعرا خاليا من ألف التأسيس أو من الردف أو من الصلة و الخروج .. و لا يوجد شعر يخلومن الروي .
حرف الوصل :
أما الوصل فلا يكون إلا واوا أو ياء أو ألفا كل واحدة منها ساكنة في الشعر المطلق . و يكون الوصل أيضا هاء و ذلك هاء التأنيث في همزة و نحوها و هاء الإضمار للمؤنث و المذكر ، و المؤنث متحركة كانت أم ساكنة . نحو هاء غلامي .. و غلامها
و الهاء التي تبين بها الحركة نحو عليّه و عمه و اقضه و ادعه ، تريد: علي و عم و اقض و دع . فأدخلت الهاء لتبين بها حركة هذه الحروف .
فكل هذه الهاءات لا تكون إلا وصلا متحركة كانت أم ساكنة . و لا تكون الواحدة منها رويا , إلا أن يكون ساكنا ما قبلها .
حرف الخروج :
لا يكون إلا واوا أو ياء أو ألفا بعد هاء الإضمار إذا كانت وصلا ، نحو الألف بعد الهاء في قول الأعشى :
رحلت سمية غدوة أجمالها ... غضبى عليك فما تقول بدا لها
و الياء في قوله :
تجرد المجنون من كسائهي
و الواو في قوله :
ومهمهِ عامية أعماؤهو
نكتفي بهذا القدر من بحث القوافي .. و سيكون موضوعنا لاحقا في حرف الردف ، و في ألف التأسيس .. راجيا أن أكون قد وفقت .
........
المراجع عدد من كتب التراث
1- البيت لابن الزبير الأسدي من أبيات يقول فيها ك
لا أحسب الشر جارا لا يفارقني ... و لا أحزُّ على ما فاتني الودجا
و ما نزلتُ من المكروه منزلة ... إلا وثقت بأن ألقى لها فَرَجا
لا جعل الله قلبي حين ينزل بي ... همٌّ تضيفني ضيف و لا حرجا
و لا ترامي على ما فات مكتئبا ... و لا تراني إلى ما قيد مبتهجا
2- البيت لطرفة بن العبد
3- قاله غلام من بني جذيمة يقال لهم بنو مساحق يرتجز حين سمع القوم بجيش خالد بن الوليد .
4- ينسب البيت للمخبل السعدي في بيتين :
إذا المرء لم يقنَ الحياء إذا رأى ... مطامع نيل دنسته المطامع
إذا بتقدر قل مال المرء ، قل صديقه ... و أومت إليه بالعيوب الأصابع
خالد ع . خبازة
سورية اللاذقية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق