محرقة الحزن
"إن الحروف تموت حين تقال" من منطلق هذه الفلسفة أردت أن أكتب كل حروف الحزن.
حتى أغتالها و أقتلع جذورها و أشطبها من قاموس الكلمات سأجمعها كلها و أحرقها بلهيب ناطق عن عمق الوجع و تأصل الحزن في الروح، ستكون مشتعلة و نابضة من حرقة الفرح الذي هجر المكان و أنكر الحاضر و وأعد الغد و أخلى به و تناسى العهد و مزق بنود الميثاق.
سأدفنها في الأرض لكن يجب أن أبحث عن أرض عاقر تكون تربتها غير خصبة حتى لا تنبت منها أحزانا أخرى أو براعم تنمو منها أغصان و أوراق و تكبر الشجرة و تظللنا بهموم من نوع آخر و تنتج ثمارا سامة تقتل كل شعور بالحياة.
سأطفئ بالماء جثث الحزن المحروقة و أخالف بذلك عادات الهندوس في حرقهم للجثث و نثرها على قمم الجبال، أخاف أن تهب عليها الرياح لأن تحت الرماد اللهيب، ستشتعل الأوجاع من رماد الذكرى و من آلام دفينة تنفخ فيها نسائم الحياة المميتة.
إن غسلتها و كفنتها ثم دفنتها في القبور أخاف أن تبعث فيها الروح من جديد و تعود و تسكن القلوب و تسقم النفوس و تسري فيها كأنهار جارفة تحمل معها كل جميل و أخضر نبت على ضفافها و تقتله، و تزرعها كبذور شاذة عن المكان و مغتربة تجري تحتها المياه و هي ذابلة و عطشى و ترنو لنور يضيئ ظلامها الدامس و تتمنى أن تتسلل إليها روائح بهجة تنعشها و تنسيها ولو للحظة وجع دام لسنين.
أحاول أن أتذكر كل العبارات المسببة للحزن و الدافعة له و المساندة له : خيانة، نفاق، كره، كذب، موت،فراق،فشل،حرب،جهل، أنانية،فقر،جوع،خصاصة، إهمال، وحدة،غربة،فقدان... تطول القائمة.
سأجعلها تصطف في ساحة كبرى و على طريقة إعدام جماعي سأقتلها بالرصاص الحي و أمام الجميع حتى يسمعوا طلقاتي عليها و حتى يتيقنوا من موتها الأبدي.
المهم أن يتعظ الحزن و أن يخاف من الظهور في حياتنا و يختفي منها، سأجعله يفكر ألف مرة قبل أن يغزونا أو يغرز أرواحنا بأشواكه و أوجاعه، و أن يتوقف عن قتل كل أمل يانع فينا و أماني ساريات في نبض قلوبنا.
ثم سأعد الفرح بالنصر و لن أستسلم كما فعل هو بل سأطارده و إن استعصى عليّ اصطياده سأحلم به مع طلوع كل فجر و أضم الشمس إلى حضني و ألثم السحاب و أسير مع الضباب و أعانق الرياح العاتيات و أتعلم منها الإصرار .
فائزة جوادي
تونس سوسة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق