محمود درويش( شاعر الأرض) :
***********************
في البداية أحبّ أن أشير إلى أنني كتبت ّهذا الموضوع قبل رحيل الشاعر الكبير محمود درويش بفترة زمنية قليلة، وهوجزء من محاضرة تحت عنوان:الأدب الفلسطيني المقاوم، وإنني إذ أعّبر عن الأسى والحزن الشديدين على فقد الأدب والثقافة في الوطن العربي عامة،والشعب الفلسطيني خاصة،لمثل هذا الشاعر العظيم، لاأغالي إذا اعتبرته بمصاف الشعراء العظام الذين عرفتهم أمتنا كالمتنبي في مقولته:
الخيل والليل والبيداء تعرفني == والسيف والرمح والقرطاس والقلم
وأبي فراس الحمداني :
ونحن أناس للتوسط بيننا == لنا الصدر دون العالمين أو القبر
حقيقة لقد كان لمحمود درويش الصدر في حياته، و الخلود في مماته.
لقد ترجل فارس الكلمة، والصورة الشعرية المتألقة،الذي طالما أقضّ مضاجع الأعداء،فما كان منهم إلا وقد فرضوا عليه الإقامة الجبرية،ثم ضيقوا عليه الخناق في وطنه ،فاضطر إلى النزوح إلى مصر ومن ثم إلى لبنان فباريس ومن ثم العودة إلى وطنه لرؤية أمه،لقد حاولوا أن يطفئوا ذلك المشعل الوضاء،وأن يوقفوا تراتيل صلوات التحرير والثورة في أناشيده، التي تسبّح كلّها للأرض ،حتى لقّب بشاعر(الأرض). ولقد كانت هذه القصيدة نقطة تحوّل في النّضال الفلسطيني المقاوم فهي أولا:
تعبير صادق عن التصاق الفلسطينيين بأرضهم ،وتراب وطنهم المغتصب فلسطين.وكذلك مثار فخر واعتزاز بهذا النّضال المرير من أجل استعادة الأرض والعزة والكرامة.وتمسك بالهوية الوطنية الفلسطينية الممتدة جذورها في أعماق هذه الأرض منذ القدم.
وثانياً:هي صرخة في وجه الاحتلال الغاشم،أن ارحلوا عن أرضنا أيّها المغتصبون،وأنتم لستم إلا لصوصاً، وشذاذ آفاق..جاؤوا إلى وطننا واحتلوه بالقوّة،فارحلوا عن أرضنا،فلن يمرّ عدوانكم مهما كنتم أقوياء،لأنّ حقنا في هذه الأرض مقدّس،وتعترف به الإنسانية جمعاء،وكذلك كلّ الشرائع السماوية.وسنطردكم من أرضنا التي اغتصبتموها إن آجلا أو عاجلا. قال محمود درويش:
أنا الأرض
والأرض أنت
خديجةُ! لا تغلقي الباب
لا تدخلي في الغياب
سنطردهم من إناء الزهور وحبل الغسيل
سنطردهم عن حجارة هذا الطريق الطويل
سنطردهم من هواء الجليل.
ويظلّ محمود درويش يعزف على شجن وتر حبّ الأرض والالتصاق بترابها،إلى أن نتأكد من قدسيتها عنده فهي حبيبته وأخته، وطفلته التي يريد العدو أن يذبحها،ولكنّهم خسئوا، لن يمرّ غدرهم واحتلالهم دون عقاب:
يسألون عن الأرض: هل نهضت
طفلتي الأرض!
هل عرفوك لكي يذبحوك؟
وهل قيّدوك بأحلامنا فانحدرت إلى جرحنا في الشتاء؟
وهل عرفوك لكي يذبحوك
وهل قيّدوك بأحلامهم فارتفعت إلى حلمنا في الربيع؟
أنا الأرض..
يا أيّها الذاهبون إلى حبّة القمح في مهدها
احرثوا جسدي!
أيّها الذاهبون إلى صخرة القدس
مرّوا على جسدي
أيّها العابرون على جسدي
لن تمرّوا
أنا الأرضُ في جسدٍ
لن تمرّوا
أنا الأرض في صحوها
لن تمرّوا
أنا الأرض. يا أيّها العابرون على الأرض في صحوها
لن تمرّوا
لن تمرّوا
لن تمرّوا!
لقد رحل محمود درويش ولم يشهد تحرير القدس،ودفن فوق رابية تطل على حبيبته وتحضنها، وكأنّه سيف مشهر أو رشاش مسلّط نحوها، أوحارس مدافع عن ترابها ضد كلّ عدو يريد لها ولفلسطين الشرّ والعدوان ، وكأنه أريد لهذه الإطلالة أن تذكر كلّ عابر ومقيم أنّ قدس محمود درويش والتي لم ولن تفارق نظره في حياته ومماته،عربية وستبقى عربية. وفي رأيي أنّ درويش لم يمت،فآثاره الخالدة والتي سوف نطلع على نماذج منها في هذه المحاضرة،هي خير شاهد على خلود هذا الأدب القيم والثمين وعلى خلود صاحبه،وسيظل اسمه محفوراً في ذاكرة كلّ عاشق للحرية فوق ثرى وطنه فلسطين،وعلى امتداد الأرض العربية وفي رحاب العالم الحر.وهو القائل وكأنه كان يحس برحيله المبكر:
أنا أمضي قبل ميعادي، مبكرْ
عمرُنا أضيقُ منا
عمرُنا أصغرُ أصغرْ . .
أصحيحٌ يثمرُ الموت حياة؟
نعم لقد أثمر الموت حياة ،عندما أورثنا محمود درويش مفردات شعرية،لم تعترف يوماً بالقيد والعتمة والذل والخنوع،بل ظلت تحارب لأجل بقاء الكلمة نقية ندية كاشراقة فجر، لوجوه الباحثين عن الحق، والحقيقة، والخلاص، والنور.
وأجمل ما قرأت في رثائه،من قصيدة للشاعر(إبراهيم محمد ابراهيم) كتب يقول:إلى روح الشاعر (الحي)محمود درويش:
محمود نم
ما مات من ألقى قصيدته ومات.
ما مات من قال : اصعدوا روحي جهاراً
واهبطوا سراً عصيّ الفهم .........أوفهماً عصيّ السّر........تعرفه وتنكره الجهات.
ما مات من طاف البلاد بموته متأنقاً
ومبشراً بحياته بعد الممات.
ما مات من دفنوه صدراً مفعماً بالبوح
قال،ولم يقل إلا القليل..
وما تبقى سوف تتلوه على فِلْذاتِ أكبادِ الحياة
شفاه بعض الأمهات.
محمود درويش لا نقول وداعاً،بل نعد أن نكون الأوفياء لإرث شعرك المبدع.ولنضالك من أجل استرجاع الشعب الفلسطيني حقوقه في أرضه،وفي وطنه المغتصب فلسطين.
وهاهي ثورات الربيع العربي،تناضل من أجل حريّة الشعوب،وقدسيّة الأرض، تسير على خطا ثورتك ،أيّها الشاعر الرّاحل جسداً،الخالد في ضمائرنا ثائراً، تصنع الثورة، وتؤجج لهيبها في عروقنا، حتى وأنت مغيّب في لحدك.
الشاعر الفلسطيني محمود درويش والذي لقب بشاعر الأرض.
حيدر وطن
سورية سلمية
10/11/2012م
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق