نــص قــصصي : خيوط دائرية
مـحــمــد لــغـــريــســــي
الــخــمــيــــسـات 2010
الـــمــغــرب
******************************
تسللت وحيدا،وكنت حرا كما كنت في بطن أمي يوما.
ابتعـدت عن الأقــواس المرابطيــة والموحدية،صاغـــرا لفظتني الأســــوارالعالية والأبواب، نهـرأبـي رقراق الذي كان يجالسني جلسة الحكمة والطـــرب عافـني هو الآخر،وهاهــو الآن يتقيأ عـلى ملابسي الفـقيـرة.
ابتعدت قليلا..
بدت لي بيوت الزنك الطويلة،وكأنها رؤوس أقـزام قبيحة.الأطفال من حولي رأيتهم يقتنصـــون عشائهم من قمامة الليل.بعض الرجال يجلسون القرفصاء تحت الجسر.رؤوسهم كثة كغابة دائرية،أطرافهم كتلك الغولة التي كانت ترعبني في طفولتي.كانت جدتي تحبك الأحداث بدقة،تغزل اللفظة بسرد شيق،أصدقها ببلاهتي المعهودة..
بدأت الشمس القبيحـة تخذلني ،السماء تطــوي نوافـذها وتنصرف بعيدة،، استلقيت تحت ظلال شحيحة عساني لأستلذ غفوة، أوأستطيب من الغربة أنسا.
بغثة..نهق السعد،دارت بي اليابسة كما تدور الساعات،أنوار خالطها البياض تدنو من لحيتي البريئــــة،
أنياب هائلة كوجه الآلهــة تهاجمني من كل صـوب،ركعـــت وسط شبكتــي منهكا كنصف دائرة،أقضم
شيئا من ورق المشمش،أشرب كأسين من رمل مبلل
------------------.
سار بي جسدي التائه نحوحقل منسـدل كجناحين،طفقت أنسـج قميصي مـن ورق شجرة،أحبـك خيمة تحت الجبال،دون سابق أشعار،تشققــت الجبال حولي،تمايلت أشجار الكليبتـوس القديمة،تعطلت شريعة المنطق في رأسي..
تجلى لي ساقي وهو يتحول إلى جناح صرصور./
وجهي صار كفـم سلحفاة ./
ظهري تقوست مثل باب تقليدي/
----------------
لما استفقت..
شاهدت جبلا زيتي يحدثني بلغة البشر،له أنف كرمح الهنود،عين لاهبة،وشوارب تشبه الأشباح..
سألت:
من تكون يا وجه الزيت ؟
أأنت شرارة من ساعة الساعة؟
أم أنت أيامي الضحلة التي لم أعشها بعد ؟
زأر وجه العاصفة.
تكلم:
- أتذكر جدتك وهي تغزل الصوف
- وهي ترسم الحكاية
- وهي تشحذ شفتيها برحيق الجوز؟
- أتذكر البيدر؟
قلت:
- جدتي جمعـت أغراضها وانصرفت إلى دار الحق.
ردت:
أنا رعب الحكاية وعمودها الفقري.
- أنا الغولة.. ..
سالتها :
- وأين الغسال كي يقـلـم أظافـري؟
أين الإبرة ليحيك لي الخياط مقاسا لكفني؟
أين كتاب النور ليرقص الكاهن ؟
فهمت القصد.
قلت :
- سوف لن أشرب قهوة أمي بعد الآن.
ولن أنام كحمارنا الأشهب تحت جلباب أبي بعد اليوم..
----------------
رجوت الغولة:
- ياسيدتي أنا جائع فاطلبي لي مائدة من السماء ،ثم مزقي لحم الحمار كما تشائين...
أجابت :
- ها نواة الخروب اليابس قي قفتي،امضغ إلا أن تشبع ،
وبعدها ستعصف الطاحونة.
صارت بقع الزيت الثقيلة تدنو من قصتي:
ظهرها المرعبة تزفر،
تارة أسمع قعقعة عنقها الطويل،فأذوب كزبدة البقال،
تارة يتسع فم الوحش المستدير،فأقرأ السلام.
آه..
لو كانت جدتي حية قرب بيدر ،أوبئر، أو نهر..
لو كان كتاب النجدة بين حواجبي،
فأقرأ آية الخلاص.
------------------
هربت متشـردا بين خيوط وخطوط،تسلت بين أسنان الحجر،أطلقت ساقي للتيه،أعدو،والرياح تسحبــني من رقبتي البلاستيكـية،أركض والأسئلة تدفع بي إلى الوراء .
توقفــت كليلا، لأشرب قليلا عساني أسترجع اسمــي وصورتي وشيئا من مــذاق تلك القهـوة التي كانت تعدها لي أمي.
قلت،
أبيت ليلتي هنا.
فهذه الهضاب المستطيلة تشبه جلباب أجدادي
-------------------
لاأعرف كيف التهمت الغولة تلك المسافات الطويلة ؟
لا أفهم كيف تـشممت رائحة إبطي؟
ها هــــي تراوغ التضاريس الوعرة،تتجـاوز الأنهار الضحلة والمغمورة،وأنا بلا جناحين أطيـــر،وبدون صوتي أصيح.
آلاف من ثعالب "رواندا "تطاردني. أقزام مثل ريش الدينصور تصوب نبالها نحوي.ذئاب لسانها يلهث وراء سروالي.تماسيح تضحك كمشعوذة فاسية
كنت كأمـــواج:
أنط من موضع إلى موضع ،
السحب تسافــرمعي وتشجعنين،
الصخور الباكية تعزيني..
ألهث
..وألهث.
رئتي توشك أن تتحول إلى معطف أثري..
--------------
ظل جدتي كان يلاحقني،
هاهي تركب حمارنا الأشهب وتركض وراء سروالي الممزق..
تهمس في أذني المخنوقة :
- كنـــت لا تصدق حكايتي ؟ وها أنت تسقط في خيوطها الدائرية.
نظرت يمنة ويسرة.
أنتظر فرجا من الله، أو نجدة من االآلهة.
الهلع المستطيل يسبغ علي هداياه المرة ويسحقني..
ظل جبل الزيت يتعقب حكايتي و بطاقة الميلاد.
---------------
كدت أجن..
فرحـــت إلا أن سالت أنهارمن الهوى على الأقواس،سجدت على الرمــال،أتبــرك بانفراج الحكاية،أترنم برنين الدملج الذي كان يناجيني في طفولتي،قرب البيدر .
أصلي..
أشكر ربي..
كانت جـدتي تقهـقـه،الصدى يتعـدد،وهي تشير لي :
- أنظر إلى العدوة هاهي تتبعثر بين أضوء الحق .
وانفجرجبل عقدتي،تفككت قضبان الزنزانة،تلاشت على جنبات المنعرجات المسننة :
أمعاء ./
كبد./
خشخاش./
وزيت محركات /
---------------
لما انطفأ قرص تلك الليلة :
أقبــل لقلاق هائل نحوي كــرزق من سمائي،هائــلا كجلباب أبي تبدى لـي.لوحـت له بجـزء من قبعتي،
فـنزل كمنطاد خاضع لي..تشعبطـت بلحيته،امتطيـت صدره.رفــرف الوحش الجميل بي.كم ثرثـرت كثيرا تلك الليلة،والطائرالهائل يرتفع بي وبجدتي إلى قبة المجد.
تعــب اللقـلاق من رائحة سروالي،
دار بي في عنان الفضاء دورتين كاملتيـن،
رمى بي كحلزونة رديئة فوق الديار..
قلت لصديقي: ..
- لماذا لم تتركني أسكن بين هفهفة جناحيك ؟
قال لي: -
سناتقي يوما..في أرض او في سماء،
فانزل سالما كما كنت في بطن أمك..
-------------
وسمعت فيما يتمثل للحالم الغافي أبي يغني.شاهدت أمي تصب كأس الشذو في كــؤوس ملونــة.لمسـت جلباب أبي بأنفي..قبلت السنابل والجدران.
سألتني أختي الصغيرة:
- أين كنت يا عيسى العربي ؟
قلت:
- كنت تائها في دائـــــرة..
----------------------------------------
تعديل لنص دائرة...
✒محمد الغريسي
المغرب الخميسات
2010م
الأربعاء، 15 فبراير 2017
قصة بعنوان { خيوط دائرية } بقلم الأديب الكاتب محمد الغريسي....المغرب/الخميسات
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق