(العربيّة بين القوميّة والعالميّة)
والحـقّ أنّنـا نعيش اليوم نضالاً مستمراً مـن أجل المحـافظة على لغتنا التي هي خـزانة ثقافتنا. ومـا نضال إخواننــا في الجزائر, أو في كلّ الأمصار العربيّة, ضدّ العـــدوّ الذي عمد إلى طمس معالم لغتنــا وثقافتنا ونشر لغته وثقافته, إلا مــرحلة مـن مــراحل هـذا النّضال, الذي تقع مسؤوليّته على مفكّرينا وأدبائنا, كما يقول الدّكتـور شوقي ضيف في كتــابه ( في النقد الأدبي ) :
( إنّنا نعيش اليوم في عصر صراع, ومــن واجب الأديب أن يصارع مـع أمّته, وأن يكون جزءاً حيوياً في هذا الصّراع بل جزءاً متداخلاً فيه, يستمدّ منه بـواعثه, وأفكاره ومبــادئه, ويرتبط ارتباطـاً قويـاً متّصلاً, لا أن يبقى انعزاليّاً, كـأنّه يعيش فــي برج عـاجيّ, لأنّ هـذا البرج يلتصق بأمّته, أراد ذلك أم لم يرد ).
فكلّما كـانت لغتنا العربيّة عظيمةً, كلّما كان لأمّتنا مكانتها ورقيّها بين الأمم, ولا تنطلق لغتنـا العربيّة مـن آفاقهــا القوميّة, إلى آفـاق عالميّة, إلا بفضل مفكّريهــا و مبدعيهــا.
يذكر الدكتور إبراهيم أنيس فـي كتابـه( اللغة بين القوميّة والعالميّة ):
" اللغة هي القوميّة أو القوميّة هي اللغة, بدأت في المجتمع الإنساني دائرة صغيرة فــي صورة الأسرة, ثم اتّسعت فشملت القبيلة, ثم ضمّت القرية والمدينة, وهكـذا تكوّن منهــا فـي العصر الحــديث, مــا يسمّى باللغة المشتركة فـي شعب مــن الشّعوب, ولا مجـــال لانعــزال الشّعوب وانطوائها على نفسها, ولا لانعزال بيئـات الشّعب الواحـد بعضهـا عــن بعض.
فمع نهضة الشّعب وأخــذه بأسباب المدنيّة الحـديثة دون تدّخـل مــن قوى استعماريّة, نتصوّر حـتميّة النّشأة للغة المشتركة, ونتصور ذلك مــع دعم اللغات المشتركة فــي العالم ازدياداً فــي سعة الا6نتشار فوق ما لهــا الآن, وانـدثار معظم اللهجات المحليّة, واللغـات المغمورة الضئيلة الشأن ".
ولدينا فــي العصر الحديث مــن الإمكانيّة الإذاعيّة ووسائل الإعلام ما إذا أحسن استخدامه,وخلصت النيّة في توجيهـه,حقّق لنا لغة عربيّة مشتركة,تسود كـلّ البــلاد العربيـة, ويحسنهــا قومهـا كتابة ونطقاً وأداء.
وقد ذكر الدكتور إبراهيم أنيس في المرجع السّابق:
" إنّ اللغة العربيّة فـي نضالهـا مـن أجل قوميّة اللغة, اصطدمت بعد الفتوحات الإسلاميّة, باللغــات الّتي كانت سائدة في البلاد المفتوحة مـن إغريقيّة,وآراميّة, وعاشت صراعـاً طويلاً خرجت فيـه منتصرةً ولم تتأثّر بشيء مــن خصائص هــذه اللغات.
أمــا اللغة اللاتينيّة فلم يكن لها وقت اتّساع الفتوح الإسلاميّة قدم ثابتة فــي الشّام أو مصر, بل كـــان المصريّون يتكلّمون القبطيّة, وكــذلك الشّأن حيـن اصطدمت العربية بالبربرية في شمال إفريقية ".ويتـابع الدكتور إبراهيم أنيس: " إنّ اللغة العربيّة انتصرت في كلّ معاركها وصولا إلى نهضتها الأدبيّة القوميّة.
فحــذار...حــذار, مــن الدعوات الإقليميّة, والنّزعات الشعوبيّة و الطائفيّة, لأنّ لغتنــا لا تعظم إلا بعظمة قومهـا.
وفي هذا المعنى يقول شاعر النّيل (حافظ إبراهيم):
أرى لرجال الغرب عزّا ومنعةً == وكم عزّ أقوام بعز ّلغــــــــات
أتــوا أهلهم بالمعجزات تفننّــــا ً == فيـا ليتكم تـــأتون بالكلمـــــات
فلا تكلوني للزّمــــان فــــــإنّني == أخاف عليكم أن تحين وفــاتي
========================
حيدر وطن
سورية سلمية
في /9/3/2015
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق