الأربعاء، 22 مارس 2017

قراءة في قصيدة للشاعر أحمد حضراوي بعنوان{ دعوة ناسك الحلقة 12 والأخيرة ...} بقلم الكاتبة د.جميلة الكجك..... الأردن/ عمان

قراءة في قصيدة ( 12 )
القصيدة - دعوة ناسك -  للشاعر أحمد حضراوي
لما رأى ذاتي بعين حبيبتي
وهواي حاط بها كما الأسلاك
لفظ الذي قد ظل يضمر دهره
يحكيه لكن لم يكن بالحاكي
قد كان هارون وموسى لم يكن
إلا أنا وعصاي تقرع شاكي
فلقت له رشدا ركبت عبابه
لأعود نحوك يونسا بدعاكي!
.. سبق أن  ذكرنا أن القصيدة تزخر بالإستعارات والتشبيهات والكنايات، فقد بدأت منذ أول كلمة فيها وأخذت هذه الأدوات الجمالية ترسم لنا من خيال الشاعر ما يساعدنا على العبور إلى أعماق وجدانه، تجوب بنا عوالم من المشاعر والاحاسيس التي ما كانت لتتضح لنا لولا هذه الأدوات البلاغية، حتى وصلت إلى ذروتها في الجزء الأخير من القصيدة إذ يقول:
"لما رأى ذاتي بعين حبيبتي"، وكأنما هو حاضر فيها بالفعل، لم يغادرها أصلا يطل على فرعونها هذا من خلال عينيها يحدق فيه، لم يغب لحظة، فالحب إن تمكن من الإنسان أسكن الحبيب حبيبه في أعماقه حتى ليكاد الناظر في عينيه أن يرى المحبوب.
فرعون هذا بعدما تصور أنه امتلك هذه المرأة، تفاجأ بما لم يكن متوقعا إلى الدرجة التي لم يستطع مجرد الإقتراب منها وكأنما بينه وبينها أسلاك شائكة تمنعه من مجرد العبور إليها.
في هذه اللحظة التى أدرك فيها أنه لن ينالها كما أراد أخرج ما كان يضمره في نفسه إذ لم تبق حاجة إلى كتمانه وقد حصل ما حصل.
أراد عندها - ربما محاولة منه - أن  يجعلها تشعر بالأسى واليأس ممن أحبت، وأن ليس لهذا الحبيب من عودة إليها، وأنها فقدته إلى الأبد، فهو بنظر فرعون قد دخل التيه وأنه ليس بخارج منه، قضى أو  سيقضي نحبه حيث اللاعودة، حيث الضياع والموت الأكيد حتى وإن كان موتا معنويا.
موت الحب في قلب الحبيب لحبيبته وقد تركته وقبلت بغيره.
ومن صور الإبداع في سرد هذه الأحداث أن الشاعر قد اوضح لنا أن فرعون هذا لم يصرح بتلك الأقوال للمرأة وإنما عاملها بما يوحي لها به إذ يقول:
لفظ الذي قد ظل يضمر دهره .. يحكيه ولم يكن بالحاكي.."إذ ترك للقارئ حرية التحليق بخياله  كيف يشاء ويبتدع صورا من السلوك المتوقع في حالة كهذه.
وفي تلك اللحظة الحرجة التي وصلتها المرأة جاء جواب الحبيب ليطمأنها، فمهما حدث هي لازالت - الحبيبة - في نظره، وأنه هو المحب ولا زال يقيم على الود وليخبرها أنه ليس كما هارون بل هو في عودته إليها مثيل "موسى" حتى أنه حذف أداة التمثيل - ك - وقال: ".. وموسى لم يكن إلا أنا وعصاي تقرع شاكي.. " لمزيد من تأكيد عودته إليه وحبه لها، وإزالة أي  شك في نفس شاك.
وإن كانت عصا موسى قد فلقت له البحر كآية من آيات الله، كذلك عصا الحبيب ستفلق له طريق العودة إلى المحبوبة وتمكنه من إنقاذها من براثن فرعونها كما أنقذت العصا موسى وفلقت له البحر ليتمكن من النجاة من فرعون مصر بإذن الله.
وكما عاد وآب يونس تائبا إلى رشده سيعود الحبيب إلى من أحبها، وإن عاد يونس من خلال دعائه - " لا إله إلا انت سبحانك إني كنت من الظالمين"، إذ أعلن توبته النصوحة لله، ها هي الحبيبة يبدو أنها تتوب من ذنبها وتدعو أن  تعود إلى من أحبت وأحبها، لكن الأخطاء ليست من صنف واحد، وليست ذات جزاء متجانس، فمن يعود عن غيه ليس كمن يغرق فيه، ومن يخطئ دون أدنى إحساس بالندم ليس لمن يندم ويطلب المغفرة.
ففرعون وأمثاله لا بد مغرقون ومن يعود عن غيه يعود له رشده ولو بعد حين.
هي إذن معاناة سامية راقية، من خلال جماليات لغتنا العربية وقصص معاناة الأنبياء والرسل مقابل جبروت المتحكمين بمصائر عباد الله وكأنهم عبيد لهم ولمغرياتهم.
وكأن ليس في النفوس قيم سامية توجهها وتحكمها، وقد نخطئ وتغوينا نفوسنا بقبول الإغراءات ونقبل بها، لكن هناك على الطرف المقابل - أحيانا وليس دائما - من يعمل على إنقاذنا مما نحن فيه، ولا يكون ذلك إلا  من خلال حب عميق وعظيم وحقيقي.
وهي بعد قصيدة ذات بعد إنساني، فمن منا لا يخطئ ولكن العظيم منا من يسامح ويتقبل كوننا بشر إن أصبنا مرة نخطئ مرات وهذا ما أدركه الشاعر بعد كل معاناتهما هي وهو.
وبهذا يتبن لنا مدى التوفيق الذي أحرزه الشاعر من خلال توظيفه للدلالات والرموز الدينية الواردة في القصيدة، فلكل دلالة دور ولكل رمز معنى، ومن هنا بدا ثقل القصيدة ودسامتها وجزالة معانيها وجمالياتها التي تميزت بها.
 
جميلة الكجك
الأردن عمان

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق