قراءة في قصيدة ( 11 )
القصيدة - دعوة ناسك - للشاعر أحمد حضراوي
فرعون حين رآك ضم جناحه
وهوى علي بسيفه الفتاك
أوصى رفاتي أن يصير غبارها
فقدا فصارت وردة لشذاك
لما دنا منها يعطر صبحه
ألقا جنا من لحظ كحل باكي
وجهي تدلى من أنين سلامها
ذكرى تثور ولم تثر لسواك
وتحل بي في فيك قبلة مغرم
بالبعث يسدل فوهة المسواك
.. بدأ "الشاعر" من أعماق نفسه المحبة، من نبضات قلبه - محرابه الذي يتبتل فيه - بالذات لتكون هذه النبضات رسالته إلى الحبية لتشعر به.
ثم حديثه إليها وقد بدا العتاب واللوم ممتزجا بلوعته وإحساسه العميق بالألم لما حدث منها إذ أغرته بالحب وأملته بالوصال ثم تحولت عنه إلى غيره، وبعد أن كانت هي الكوكب الذي أسرت به إليها متمتعا بجمالها والنور، صارت شجرة من الشوك تزيد من آلامه وتحيط به كما تحيط أغصان هذه الشجرة - ذات الشوك - بمن يقع وسطها، كلما أراد التخلص منها اشتدت وخزات أشواكها.
وفي هذا المقطع ينتقل بنا الشاعر إلى معاناة أخرى، لكنها معاناة تعيشها الحبيبة ويستشعرها الحبيب ولا تهون عليه.
معاناة من فرعونها الذي ما أن شاهدها حتى انطلق ليستأثر بها وينتزعها ممن أحبها حقا.
فرعون الذي لم يكن بحاجة إلى مزيد عدد من النساء لكن جمال الحبيبة والرغبة في الفوز بقلبها استبد به وظن أنه فاز.
دمت بألق دائما ودام إبداعك الجميل ويبدو أن فرعون هذا قد استشعر ذاك الحب الدفين في قلب المرأة فحاول جاهدا أن ينتزع هذا الحب من قلبها بكل ما أوتي من قوة، وبطرق عديدة لم يذكرها الشاعر لكنه ألمح إلى قسوتها وفظاعتها إذ قال:
"وهوى علي بسيفه الفتاك".. ، أراد أن يقتلعه اقتلاعا من قلبها وذاكرتها في آن معا، وهو لا يدري أنه بمحاولة قتله لذكرى الحبيب كأنما هو يبعثه حيا فيها، بل حوله من مجرد ذكرى إلى واقع تعانيه ويتراءى لفرعون هذا كلما اقترب منها، يطل عليه من خلال نظرات عينيها ودموعهما، يحضر في تعابير وجهها المتألمة لفقد من أحبت عن طواعية منها.
كانت بروعتها وألقها ككوكب حاز الجمال كله إذ أحبت، وتحولت إلى حاضنة بقايا ذكرى الحبيب، حاضنة رفات حبها، بل بقايا بقاياه - غبار - كما أصر الفرعون أن يصيره. لكن المفاجأة أذهلته إذ انقلب فعله ذاك عليه هو وأصبح حاجزا بينه وبين المرأة، بل أقوى دليل على هزيمته أمام هذه البقايا من ذكرى الحببيب، ليدرك أن الحب لازال متمكنا في قلبها ولكنه امتزج بالحسرة والندم لفقده وتحولت ملامح الوجه المشرق المنير إلى الذبول، والمشاعر الجياشة إلى الهمود، والتألق إلى خفوت، وانطفأ البريق من العينين وتقاطرت الدموع ليسيل كحل عينيها فيزيدهما ظلمة. ويبدو أن الحبيب استشعر ما حصل لحبيبته أو علم به، أو ربما أرسلت إليه تشرح حالها فأدرك شدة معاناتها، أدرك ندمها وحسرتها وما صارت إليه فثار حنينه، وشب حبه لها من جديد حتى أن علامات الحزن والأسى واللوعة جعلت وجهه وكأنه يتدلى إليها هياما بها وشوقا إليها، فتعاوده ذكرى حبه لوحيدة قلبه ويتصور أنه يقبلها بشفتيه اللتان تقبضان على مسواكه متمنيا أن يبعث هذا الحب حيا كما كان.. ويبقى من الحكاية فصلها الأخير
جميلة الكجك
الأردن عمان
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق