نص ما كتبه الأستاذ الشاعر والناقد عباس باني المالكي مشكوراً ..لنص قصيدتي(مذ كان هابيل)..ألف شكر لجهده وسمو قلمه
عباس باني المالكي
20 دقيقة ·
(الحاضر ما هو إلا انعكاس التام للماضي)
قراءة نقدية لنص (مذ كان هابيل ) للشاعر علي حمادي ناموس
((مذ كان هابيل))
........................
يا ليلُ أرهقَني
قولٌ وتعليلُ
إني رَضيْتُ بها
فعلَ الأباطيلِ
إني قَبِلْتُ شروطاً أن تُقايضني
بالموتِ أرضى
وهل للموتِ تبديلُ
مما أُعاني هموماً لا انقطاعَ لها
حتى ابتلتني
سكاكينٌ وتقتيلُ
واحتاش بالجرحِ صبّارٌ فَيُخِزَهُ
ويعتصر جَرحَهُ
والدمعُ تغسيلُ
والحالٌ أمسى شَبيُهُ الجنِ يوقظُه
من مرتع ِالخوفِ
والإرهابِ ترتيلُ
البردُ يقتلُ
والأمطارُ تاخذُنا
حتى الخيامِ نأتْ
أين البهاليلُ*
أين الذين إذا
للموتِ صاحَ فتىً
هَبْوا خِفافاً
لنسجِ الموتِ أكليلُ
أم هل لِحاجتِنا والجوع يأكلنا
قولٌ يُفلسفُ
أعذاراً وتحليلُ
سارتْ بنا مُوبقاتُ العصرِ من نفرٍ
تَحْدّو نوائِحُها
قتلٌ وتهجيرُ
يا أم عمرٍ لحاكِ اللهُ مخمصةً
يكفي التباهي بما قُلنا وما قيلوا
خزيٌّ .
مُفاخَرةُ التاريخِ ....يا بلدي
في ما مضى كُلُها
كذبٌ وتضليلُ
ألم نفاخر بعضاً أننا نفرٌ
جَزّ الرؤوسِ لنا
فخرا ًوتبجيلُ
سبيَ النساءِ كراماتٌ نَعِدَ لنا
نهبٌ وسلبٌ
وأجدادٌ دلاديلٌ*
تلك التواريخُ لا يرضى بها بشرٌ
مهما فعلتم
فلا ينفعكَ تَجْمِيلُ
من أين تاتي أبابيلٌ لِنصرَتِنا
وهل سَتُنجدُ سُرّاقَاً أبابيلُ؟
هم الفِصامُ وعينُ الجهلِ أجمعهُ
ومُذْ حكايةِ ....قابيلٍ وهابيلُ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*(البُهْلُولُ) : السيّدُ الجامع لصفات الخير
* (دلاديل) جمع دلدول. هو المغلوب على أمره وتتحكم به النساء..
حين تتسع الرؤيا بقدر وجودية الإنسان وتاريخه الطويل والتي تعبر عن أزمته الحقيقة في نواميس الحياة التي يعيشها ، يكون هذا النص أبعاد تدوينية تنمو حتى تصل إلى الزمن الغائب من الإنسان ، أي ربط كل ما يحدث في تاريخ الإنسان، كأنه حالة قدرية لا تتغير بتغيير النظم و حالاتها الإنسانية فهي تؤدي إلى نفس الأزمة التي يعيشها الإنسان على طول العصور ، وتصبح هذه الأبعاد أستجارية لأنها تكشف حالة الإنسان وقدرته على التحمل وبنفس الوقت قدرية الحياة التي تؤدي إلى إشاعة القتل ، والشاعر علي حمادي ناموس في نصه (مذ كان هابيل ) حاول أن يحدد أن كل ما يحدث الآن ما هو إلا انعكاس إلى كل ما جرى في التاريخ، و أستطاع بحرفية المعنى في الكلمات أن يوصل ما أراد أن يوصله من معاناة التي اتسعت على قدر كبير من مساحات التاريخ لكي تبقى علامة المخاض مستمرة حيث يشكل الموت شرارة حرف في بوح مسافة أمام اشتغالها ، وبهذا أستطاع أن يؤشر ا لأزمة والتحكم بها إلى آخر فصولها حيث كون نصا مركبا وعميقا.
والشاعر أستطاع أن يضيف إلى تجربته عمق داخلي والوصول به إلى بلوغ كل الحالات، التي تشكل أزمة الموت وبذلك أستطاع أن يمتلك أصابعه، وبالتالي قلمه من أجل أن يمسك بغصن روحه الطري، كي يحافظ على المعنى الحقيقي لذاته وسط هذا الموت ،و أستطاع أن يقدم نص شعري متكامل في المعنى الشعري في الوجود وفي اللغة ،وفق اللحظة التي يؤشرها من أجل تبرير الذات في تاريخ البشرية، و استطاع من خلال هذا النص أن يوصلنا إلى لحظة مكثفة من خلال الوصف الشعري، إلى علامات الموت المتحقق في الحياة ،وجعل وصفه الذي استطاع أن يغير من لغته الإخبارية، إلى لغة الدلالات وفق هاجسه المتشطي والمعنوي للفكرة التي يريد أن يوصلها إلى القارئ، ويضيف عليها جلالة وعمق المعنى الحقيقي من خلال الصراع المستمر في وجودية الإنسان، حيث بدأ من ذاته ليدلل على عمق واستمرار أزمة ضياع الإنسان ومن ثم ينتقل إلى عموم البشرية ، ويتم هذا من خلال الغوص في لحظة الألم التي يتحسسها ، لكي لا تلتصق طويلا بذاته من أجل أن يخلق الأمل أو الوصول إلى الوجود بجمالياته بالرغم من هذا الألم ...
(يا ليلُ أرهقَني /قولٌ وتعليلُ /إني رَضيْتُ بها /فعلَ الأباطيلِ /إني قَبِلْتُ شروطاً أن تُقايضني /بالموتِ أرضى /وهل للموتِ تبديلُ /مما أُعاني هموماً لا انقطاعَ لها /حتى ابتلتني /سكاكينٌ وتقتيلُ /واحتاش بالجرحِ صبّارٌ فَيُخِزَهُ /ويعتصر جَرحَهُ /والدمعُ تغسيلُ /والحالٌ أمسى شَبيُهُ /الجنِ يوقظه /من مرتع ِالخوفِ /والإرهابِ ترتيلُ )
إن تحقيق الإستدلال المعنوي في أي نص:- (يعتمد بشكل كبير على قدرة الشاعر على إتيان بالدالة التي تؤشر المعاني التي تنمو وفق هاجسه )، لأن هذه الحالة تعطي النص أفق عمودي وينمو بشكل انسيابي يحقق أفقية المعنى الذي يسعى الشاعر إليه ، وبهذا يكون هذا النص الفكرة التأويلية في الدالة التي تعطي أبعاد التشكيل الدلالي وفق تقارب المدلول من دالته ، أي تصبح الجمل الشعري متجاورة وهذا ما يحقق التكثيف ، وكذلك يعطي الشاعر القدرة على استخدام الإستعارة الرمزية في كل المسميات ، التي تنضج أبعاده في باطنية فكرة النص ،والشاعر علي بدأ بنصه ( يا ليل أرهقني ) ليبين حجم الوجع الذي يعيشه وما يسبب له هذا العالم من اضطراب إلى حد جعله يرى الموت في كل شيء يحيط به ، و تتحول همومه مثل السكاكين ، فكل شيء تحول إلى غير المعنى الذي يجب أن يكونه ، وصار الخوف والقتل منتشر حوله بسبب ما يحدث من إرهاب ، وأصبح هذا الإرهاب كأنه نغمة وتراتيل يومية يجب عليه أن يعيشها ويسمعها ، ولا يستطيع أن يهرب منها، أي أصبح كل شيء حوله بمذاق الدم والموت ، وحتى الدمع لم يعد ينفع أمام هذا الوجع الكبير ، واستطاع أن يقارب المعنى من خلال تقارب أو تجاور الكلمات وهذا ما ألغي الفجوة اللغوية ويبني نص متماسك في جوهرية الفكر، التي يريد من خلالها أن يؤشر الحدث النفسي الداخلي، الذي هو انعكاس حتمي لكل الأحداث التي يراها أمامه، إلى حد جعل حتى جرحه يعتصر ، و جعل كل شيء حوله يهتز عن قيمته الحقيقية ، فكل هذه الهموم ما هي إلا هموم الوطن ،و يبدأ من الداخل ليؤشر العام ، وجعل من ذاته هي منطقة الصراع مع كل ما يحدث لكي يبين حجم تأثيرها على ذات الآخرين .
فالشاعر لا يفكر بهمومه إلا بقدر هموم المجتمع وما ذاته إلا هي استدلال لذوات الآخرين ، ويستمر بطرح ما يحدث في الوطن من هموم التهجير والقتل المجاني ، وما يحدث في خيام التهجير من برد وجوع ، وكيف يتحول كل شيء عكس المنفعة التي يجب أن تكون عليه مثل الأمطار ، مع كل ما يحدث في الحقيقة ،هناك من يحاول أن يفلسف أو يبرر ما يحدث من نقص في كل شيء من المواد الغذائية ، فلم نعد نسمع غير نواح النساء في هذه المخيمات وما حدث من قتل وتهجير ، وكل ما قيل ويقال لا نفع فيه، لأن المأساة مستمرة (البردُ يقتلُ /والامطارُ تاخذُنا /حتى الخيامِ نأتْ /أين البهاليلُ* /أين الذين إذا /للموتِ صاحَ فتىً /هَبْوا خِفافاً /لنسجِ الموتِ أكليلُ /أم هل لِحاجتِنا والجوع يأكلنا /قولٌ يُفلسفُ /أعذاراً وتحليلُ / سارتْ بنا مُوبقاتُ العصرِ من نفرٍ /تَحْدّوا نوائِحُها /قتلٌ وتهجيرُ /يا أم عمرٍ لحاكِ اللهُ مخمصةً/يكفي التباهي بما قُلنا وما قيلوا /خزيٌّ) .والشاعر يعيش التماثل النفسي مع كل الأحداث التي يراها ، لكي يبين عمق تأثيرها في ذوات الناس الآخرين ،وما يحدث الآن ما هو أنعاكس لكل تاريخنا الإنساني وما يحدث من تبرير ما هو إلا دفاعا عن تلك العادات السيئة مثل السبي، والتي كانت تعد مفخرة بين القبائل ، لم يعد هناك تغير في عاداتنا,ما نحن إلا انعكاس تلك العادات التي عاشها أجدادنا، فالجهل مستمر فينا لأننا لم نتخلى عن ما كان يعيشه الأجداد ، و كان بعيد عن منطق الحياة ، وسوف تستمر حياتنا بمنطقهم وعادتهم ،فالتاريخ لم يغير أي شيء فينا، بل نحن مرآة الماضي التام ، فكل شيء يتحرك الآن ما هو استمرار لحركة ماضينا، ونحن لا نختلف عنهم بشيء من عادات جز الرؤوس وسبي النساء، والجهل مستمر فينا، والذي يؤشر كل عادتنا الحاضرة ، حتى نهاية التاريخ لأننا أمة لا تتغير ولا يمكن أن يحدث تغيير فيها، فمنذ قابيل و نحن ندمن القتل وجز الرؤوس، وهل تتغير هذه وستنجد سراقا أبابيل ؟ (مُفاخَرةُ التاريخِ ....يا بلدي /في ما مضى كُلُها /كذبٌ وتضليلُ /ألم نفاخر بعضاً اننا نفرٌ /جَزّ الرؤوسِ لنا /فخراًوتبجيلُ /سبيَ النساءِ كراماتٌ نَعِدَ لنا /نهبٌ وسلبٌ /واجدادٌ دلاديلٌ* /تلك التواريخُ لا يرضى بها بشرٌ /مهما فعلتم /فلا ينفعكَ تَجْمِيلُ /من أين تأتي أبابيلٌ لِنصرَتِنا /وهل سَتُنجدُ سُرّاقَاً أبابيلُ؟ /هم الفِصامُ وعينُ الجهلِ أجمعهُ /ومُذْ حكايةِ ....قابيلٍ وهابيلُ ) والذي يميز نصوص الشاعر أنه يجعل من ذاته مساحة لكل الذوات الإنسانية ، لكي يبني النص وحسب توتره الشعوري المدرك لكل ما يراه ، وهذا يعطيه مساحة واسعة من جعل رموزه تحمل ثقل رموز الخارج، ويعيد صياغتها وحسب التوهج الذاتي في صياغة الجمل الشعرية المقاربة لكي ما يراه حوله ، وبعدها يحول كل الأحداث الخارجية إلى رموز حية تجعل قصائده تنمو وفق هذه الأحاسيس من أجل أن يعيد موضعتها ضمن تصوره الإدراكي المقارب لرموز الخارج ، ولكن بعد أن يضفي عليها هاجسه الوجداني المفعم بالحياة المؤثرعلى القاري .
علي حمادي ناموس
العراق الكوت
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق