الأربعاء، 13 سبتمبر 2017

إني أرى شجراً يسير / بقلم الشاعر باشا عواد/ السودان .الخرطوم

إني أرى شجراً يسير
أبصره بعين الحقيقة المفقوءة زوراً
بأشواكه المسمومة وبطعم الحنظل المرير..
يتجمع على أطراف المدن القصية
على بوابات دمشق الفتية
وعلى أسوار  بغداد يلفها السواد
تحمله النساء على أكتافهنّ المنهكة
مقيدات بسلاسل من حديد
ولكنهنّ باسقات كالنخل
تتكسر على أغصانهنّ النصال
يحلمنّ بالمجد الغابر من آلاف السنين
وقد أعياهنّ النضال..
ينبشنّ قبور الشهداء في أحلامهنّ البائسة
يخرجنّ رايات النصر المدفونة تحت التراب
حمراء بلون الدماء
منقوشٌ على زواياها
أن الموت لا يحصد رايات الأبطال ..
يسكبنّ الحليب من أثدائهن العجاف
يهدهدنّ آهة الحنين حتى ينام الأطفال
حتى لا يطال الحلم أيدي المغول الجدد
تتار العصر الحديث وأشباه الرجال..
فتتطاول لأجلهن منارات القدس العنيدة
وتسمو بهنّ لاءات الخرطوم المجيدة..
يقفنّ شامخات على بقايا الركام
ينبشنّ الأرض بأظافرهن الطويلة
من أجل طفلٍ يموء تحت الحطام
فتدوي آخر صرخة له قبل السكون..
يحبسنّ الدمع في حضرة الموت المجنون..
والموت يحصد الرقاب
كسنابل القمح أواخر الشتاء..
يفاجئهنّ مخاض الحزن في كل الفصول
يجهض أحلامهن العارية
وينزفنّ كل الدماء..
حتى لا تلد الحرائر عبيداً وإماء..
ونيرون ما زال يشعل كل الطرقات
يعيد تواريخ البؤس في المدن العصية
والحريق يشب في كل مكان
حتى في زوايا الأرواح القصية..
ولكني رغم الحريق أرى شجراً يسير
كذِبوني إن شئتم أو اشنقوني
فقد وهبت رقبتي قرباناً للنضال..
فمن غيري يرى شجراً يسير وحريق..
اصطفوا جميعكم على جنبات الطريق
وأفسحوا لهنّ ليعبرنّ على جسر الدماء
يلجنّ لُجة الصرح الممرد
دون أن يكشفنّ عن ساق الحياء..
إنهنّ الماجدات حرائر عصور الخونة واللئام
حرائر أرض الملحمة والميعاد
فالنهر لن يغير مجراه ويعرج مطراً نحو السماء
إن لم تاتي جحافل النساء..
معصوبة برايات النصر
جباههنّ الشماء
ونيرون لا يبالي..
فمن سيعيد الدماء لمجرى الدماء
ومن سيرفع أعلام الحرية تعانق وجه السماء
ويعيد النهر من رحلة السراب الطويلة
وأشعار هوميروس تُقرأ كل ليلة في المدينة
ونيرون يرتدي ثيابه المسرحية
ويرقص ثملاً كصبية..
والحريق يمتد حتى قلب بغداد العصية
ولكنهنّ يقتربنّ من أبواب المدينة
والشجر يسير..
يوجهنّ سهامهنّ المسمومة نحو كعب أخيل..
هكذا قالت عرافات بابل القديمة
أن على أسوار دمشق الحبيبة شجراً يسير..

باشا عواد
السودان الخرطوم

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق