السبت، 16 سبتمبر 2017

قراءة في ديوان((ممرّات للحبّ)) للشاعرة((أجفان رزوق)): / بقلم الأديب والشاعر حيدر حيدر / سورية. سلمية

قراءة في ديوان((ممرّات للحبّ)) للشاعرة((أجفان رزوق)):
****************************************************
هذا هو الديوان الثالث للشاعرة الشابة أجفان لؤي رزوق،والثاني لها بعد ديوان ( ألمي ينبع من آلامك) من إصدارات هذا العام.
والشاعرة تمتاز بغزارة إنتاجها،وبنشاطها الدؤوب من أجل إثبات وجودها  كشاعرة مميزة ومعروفة على الساحتين الأدبية والثقافية في مدينة سلمية،مدينة الشعر والثقافة.
لذلك نراها أصدرت خلال فترة  زمنية قصيرة ثلاثة دواوين..آخرها هذا الديوان الذي نحن بصدد إلقاء نظرة على مضامينه الوجدانية،وأساليبه اللغوية.
من خلال دراسة هاتين القصيدتين المتعاقبتين من قصائده، الأولى بعنوان:(اسمه قمر)والثانية:(حيث لامكان).
ومن خلال قراءتي لهما، وجدتهما مترابطتين في الأفكار والمعاني،لذلك سلّطت الضوء عليهما،واعتبرتهما  في هذه الدراسة تمثلان هذا الاتجاه الوجداني، والإنساني عند شاعرتنا الشابة.
ويمتاز هذا الديوان ، بأنه أشبه برسالة حبّ مفتوحة الغلاف،تنشد فيه الشاعرة آمال، وأحلام الشباب في الحبّ الصادق الشفاف،وكون الشاعرة من هذه الفئة العمرية الشبابية المثقفة،لذلك نقرأ الصدق، والبساطة، والعفوية ، في التعبير عن كلّ حالات الحبّ الإنساني الصادق البريء في مضامينها الشعرية،وأساليبها اللغوية الجميلة ،المتحررة من كلّ تعقيد لفظي أو لغوي,التي لاتقلّ انطلاقة وعفوية عن مضامينها الوجدانية،والتي تعبّر بها عن تجارب ربما تكون من نسج الخيال،وربما تكون صدى لقصص واقعية, سمعت بها من صديقاتها،وأقربائها..!! وما يميز ديوان الشاعرة(ممرات للحب)،هو هذا الفيض الوجداني المتدفق كشلال لاينضب معينه عندها.
ومن حيث الصياغة الشعرية،فقصائد الديوان تصنّف تحت عمود (قصيدة النثر)) أو الشعر المنثور،الذي تحررت فيه الشاعرة من القوالب الجامدة في صياغتها،ومن شرطي الوزن والقافية، وأطلقت لنفسها العنان في التعبير عن مشاعرها  الإنسانية، بعيداً عن مصطلح القدامى(الشعر كلام موزون مقفى)، كغيرها من شعراء العصر الحديث. (1)
فتمعّن معي في هاتين القصيدتين وأسلوبهما،فهما معنىً: أنموذج لقصائد الشاعرة الوجدانية في هذا الديوان، و مبنىً: أنموذج لقصيدة النثر في صياغتها، وأساليبها اللغوية والبلاغية.  القصيدة الأولى بعنوان(اسمه قمر)تقول الشاعرة:
فلينجلي برّاقاً
كأسطورة الحب
كجيد اللؤلؤ
تزدان به آلاف الفكر
وتتهلّل بذكره
كلّ المقل
فما القمر هنا الذي برق وجهه ولمع، كأنه أسطورة من أساطير الحبّ الخالد إلا وجه الحبيب المجهول الذي لانعرف عنه شيئاً، ولكن جمال الصورة يوحي بسحره وجماله،أو كأنه بريق لألىء في عنق حسناء،وفجأة يرتد بك ذاك الجمال إلى التفكير به، وتتعجب لمنظره كلّ العيون المشدودة إلى ذلك الفضاء اللامتناهي الذي عبّرت عنه الشاعرة في قصيدتها الثانية، بقولها:(حيث لامكان..!!).
ونمضي مع الشاعرة في إيقاع تلك الترنيمات الحزينة العذبة التي تعزفها بقيثارة الحب العتيق، والوجد المضني للحبيب ،تقول في المقطع الأول منها:
تراءى لي أني
نسيت الحبّ العتيق
والوجد المجهد
وتغربت دهورا
عن الفرح الأوسع
وذكرى الوجع
وعندما رأيت
طيفك ملّوحاً
في ساحات السراب
عادت لي تلك النشوة
لكنّ حزن الشاعرة سرعان مايغادر مخيّلتها بمجرّد أن عبر طيف الحبيب أفقها الرحب ،فأيقظتها نشوة الحبّ من غفوة أحزانها،وأعادتها إلى سعادتها،حتى ولو كان طيف الحبيب مجرّد سراب واهن ضعيف.إلا أنّ الشاعرة لاتريد أن تستسلم للحزن في أعماقها، بل تريد أن ترسم البسمة على وجوه كلّ المحبين من خلال وصفها لمعاناتها وأحاسيسها الرّقيقة،وهذا مانلحظه في المقطع الثاني من قصيدتها حيث تقول:
مازال لي
من عبيرك ضوع
ومن وجهك ابتسامة
ومن قلبك أمل
لازال لي
آلاف الحكايا
وقناديل مسرة ضائعة
في ظلام الخبايا
هنا ،تطلعنا الشاعرة على رغبتها بالتفاؤل رغم الأسى الذي يعتصر قلبها،وهذا التفاؤل عبّرت عنه بالابتسامة والأمل،وبرائحة عطر الحبيب التي مازالت تتذكرها رغم أنّها فقدت تلك القناديل التي كانت تضيء لها طريق المسرة، وتغمره بالنور والسعادة..!!
وفي المقطع الثالث، تحاول أن ترسم من خلال التناقضات والعثرات التي اعترضت ممرات حبّها،وما خبّأته من أسرار في صدرها،تحاول أن تنسى الواقع المرير،والحزن الدفين، لتتعلّق فقط بحبل الحبّ الذي كان يشدّ وثاقها إلى ذلك الحبيب المغادر،وتتحسّس فقط الصور، والذكريات السعيدة الجميلة التي كانت تجمعها به ولو بالخيال..!! تقول:
من كنه الأسرار
التي دارت فيها
مناقبنا وخطايانا
اندفاعنا وقنوطنا
حزننا وحبورنا
ألمنا وانشراحنا
غيابنا وحضورنا
لازال لي
من وجهك
حضور لوجهي
وليدك امتداد ليدي
ومن شذرات عاطفتك
توهج لضرامي
ومن جاذبيّة العناق
كونت حياة الالتصاق
إذا هو الحبّ الصادق الذي لايريد أن يكون ضحيّة للحظة عابرة ثم ينطفىء شعاعه..!!هو حبّ يريد الالتصاق بكيان الحبيب،وما القبلة الأولى إلا البداية لحب تريد له الشاعرة أن تكون نهايته سعيدة،حيث تقول:
ومن شعاع اللقاء
لن يكون إلا اللقاء..!!
وفجأة، تفيق الشاعرة من نشوة الحبّ التي غمرت كيانها،
وتتساءل:
هل رحل الآن
والشكوى تداعبني
والآلام تعاتبني..؟
وكأني بها ، لاتريده أن يرحل بعيدا عنها،وتريد لحبّها أن يبقى وليدا يحبو في كنف الحبيب، ومرابعه،وربما في لحظات أخرى تجد نفسها هي التي رحلت عنه منفطرة القلب،مكسورة الجناح:
أم رحلت عنه
وطفل القلب
يرجعني
إلى الوجد يرجعني..!!
ولكنّها لاتريد أن يبقى في مخيلتها له إلا الذكرى المقرونة بالأحلام السعيدة، لاالبائسة والحزينة،تقول:
إلى نجوم الخيال
وصفيح الفلّ والزمرد
والنرجس
وواحات الفتنة
ودغدغات الأحلام
إلى الحب الجميل
يرجعني
***
إلى ألف ألف لون
وألف ألف حلاوة
وكون
****
إلى ينابيع الفردوس
وأنهار الكوثر
****
وكأني بالشاعرة قد تعبت في رحلة بحثها عن ذلك الحبيب الذي غادرها دون أن نعلم إلى أين أو سبب الهجرة..؟؟،فأرادت أن لاتحتفط إلا بذكرى حبّه الذي هو جنتها السعيدة،و تتساءل هل يكون فؤادها الولهان جسرا لعبور ذلك الحبيب الذي ملأ عليها حاضرها، وغمرها بالسعادة  ،فكان حبّه بالنسبة إليها برحابة الزمان والمكان بل هو الزمان والمكان ذاته..؟؟
كان حبّك الأبحر
فهل حبّك جنتي..؟
ولظى الفؤاد
جسري لعبورك..؟
***
في حاضر الزمان
حبك كان
المكان والأزمنة
هاتان القصيدتان كما أسلفت أنموذج للشعر الوجداني  في  ديوانها الجديد(ممرّات للحبّ).والشعر الوجداني عند شاعرتنا الشابة، تغرف معانيه العميقة العذبة، المترابطة من  بحر واسع الامتداد، متلاطم الأمواج، وللعواطف الإنسانية الجياشة الصادقة فيه شواطىء لانهاية لها،وتختار لآلئه من أعماق لجته،يشحذها في ذلك خيال وثاب،ولغة سحرية مأنوسة، سهلة، مناسبة(النشوة ــ الفرح ــ الوجع ــ  مسرّة ــ حزن ــ حبور..ألخ).
وصور بلاغية جميلة،تعتمد أحيانا على الصورة البراقة المستحدثة،(كنه الأسرارــ صفيح الفل والنرجس والزمرّد ــ واحات الفتنة..الخ)،وأحيانا أخرى على الصورة التقليدية(وجه الحبيب براق كوجه القمر ــ عشقه كأسطورة حب ــ عنقه كجيد اللؤلؤ ــ قناديل مسرّة ضائعة... الخ)
وأحيانا تظهر جماليّة معانيها من خلال التضادات اللفظية، والمقابلات(مناقبنا وخطايانا ــ اندفاعنا وقنوطنا ــ حزننا وحبورنا ــألمنا وانشراحنا ــ غيابنا وحضورنا..الخ).
وهكذا نمضي مع وجدانيات الشاعرة الشابة أجفان رزوق من خلال قراءتنا لقصائدها التسع عشرة، اللاتي تضمنها ديوانها الوجداني ،والتي جمعت في مائة وخمسين صفحة من الحجم المتوسط، ضمنتها الشاعرة لوحات فنيّة لفنانين عالميين منها لوحة الغلاف للفنّان الإيطالي(لويا ندو دافنشي)، معبّرة عن معانيها المضمّخة بعطر المحبة ،والشوق ،والهيام..!!
ونسعد أكثر في ديوانها بمطالعة معانيها الرّقيقة، الشفافة العذبة، كرقة الشاعرة ،وعذوبة حديثها ونجواها،وبالاطلاع على صورها الثرة الجميلة، المستحدث منها والتقليدي، واللغة الفصيحة، المأنوسة، السّهلة.
لكن.. أجمل ما يميّز شعر الشاعرة الشابة، هو صدق  مشاعرها وأحاسيسها، لأنّ تجربتها الشعرية والوجدانية ماتزال كما قالت(طفلة تحبو)،وأعتقد، بل أجزم أن أجمل الشعر الوجداني،هو أصدقه.. وقديماً قيل: خير الشعر أصدقه.كما قال(3):
وإنَّ أَحْسَن بيتٍ أنت قائلهُ    ==     بَيْتٌ يقالُ إذا أنشدتَه صَدَقَا
والأمثلة على ذلك من تراثنا الشعري كثيرة ومتنوعة.
وفق الله الشاعرة،وسدّد خطاها في سبيل إغناء تجربتها الشعرية يوما بعد يوم..!!
وإذا كان لكلّ جيل شعراؤه، فإنّ شاعرتنا الشابة تعتبر شاعرة هذا الجيل بلا منازع..!!وذلك بفيض إنتاجها،وصدق مشاعرها،ومتانة أسلوبها.
وفي نهاية هذه القراءة السّريعة لديوانها الوجداني(ممرّات للحبّ)
أدعو الجميع إلى  تصفّحه، و ضمّه إلى مكتبتهم،لأنه ديوان قيّم، يفتخر، ويعتز باقتنائه.
كما أدعو للشاعرة دوام الصحة ،حتى تكمل مشوارها،وتحقق طموحاتها،وتحصد في مستقبلها مزيدا من التقدم والنّجاح على دروب الشعر الصعبة المسالك..!!، كما أتمنّى  لــطفلة سلمية، وشاعرتها الشابة العبور الآمن عبر ممرات ودهاليز الحبّ الشائكة..!!(2)
الهامش:
(1) (الشعر كلام موزون مقفى): وفقاً لتعريف قدامة بن جعفر المتوارث للشعر.وهو تعريف مختلف عليه بين النقاد القدامى والمحدثين.
(2) الطفلة:بلغة سكان المغرب العربي الدارجة، تعني:(الشابة).
(3) أسرار البلاغة في علم البيان، للعلامة عبد القاهر الجرجاني.

سورية سلمية في /3/9/2012
الكاتب: حيدر حيدر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق