الاثنين، 18 سبتمبر 2017

مشط عريض / بقلم الكاتبة أسمهان خلايلة/ فلسطين. الجليل

مشط عريض

بعد أن  تباعد ساقيها أجلس ما بينهما ،   استند بظهري على صدرها،  تعطيني مهلة استراحة ثم لا تلبث أن تدفعني إلى الأمام لتتمكن من تمشيط شعري بالمشط العريض وهذا النشاط كان يتم مرة في الأسبوع وهو يوم الجمعة،  عطلتنا المدرسية .
تأتي أمي  بالمشط العريض بأسنانه الصغيرة الدقيقة ليتمكن من اصطياد القمل  وجرد الصئبان وهي بيوض القمل ونلفظها سيبان .
تغمسه بقليل من الكاز المخصص لاضاءة المصباح والقنديل بعد أن  ولى زمن  استعمال زيت الزيتون لإيقاد القناديل .
بعد كل طلعة للمشط من أول ناصية الرأس  متجها إلى  بداية العنق ، تضربه بالمصطبة لينزل ما اصطادته من قمل ..
أحيانا  تجد قملة واحدة أو  اثنتان فكانت تسٌرع  عملية التمشيط فيتجول المشط العريض باحثا عن بيض ما اصطاده لتكون عملية تنظيف عرقي كاملة لا صغار ولا أمهات ولا بيوض ! وهي تستطيع أن  تعرف إن  كانت القملة لاجئة قد زحفت متسللة عن رأس إحدى رفيقاتي في المدرسة أو أنها  موجودة في رأسي من قبل ...
لأنها  حين تجد قملة كبيرة ووحيدة دون سيبان أي  بيوض  فهذا يعني  أنها مهاجرة وليست مواطنة رسمية أما حين اكتشفت أن  رأسي به  قطيع نمل فكادت تجن .. تلقيت عدة صفعات على رقبتي وكان لأختي الصغرى نصيب لاننا نهرش رؤوسنا وأيدينا ملطخة ببقايا الطعام : كم نبهتك ؟

وتجزرنا غاضبة ... النظافة أهم شيء ..اللي ( أحلى مني الله خلقها لكن  أنظف  مني عزرائيل يأخدها ) ونستغرب قسوة المقولة !أدركنا فيما بعد،  طموح أن أكون الأفضل وليس الأجمل .
والمشط أسود اللون فقط .. لم أشاهد مشطا
عريضا إلا بالأسود  إنه كوماندو اقتحام معاقل القمل  الذي  كون لنفسه  أعشاشا في الشعر وبصيلاته ..ثم تاتي عملية الفحص فتطرح أمي  رأسي على فخذها وتروح أصابعها تجوس خصلات شعري وتجردها   شعرة شعرة لتتاكد من عدم التصاق السيبان بها وكلما عثرت على"  حبة " سيبان واحدة كانت تضعها على أظفر إبهام يدها اليسرى ثم تسحقه  بإظفر اليد اليمنى فاسمع صوت طقة خفيفة وتحدجني : ها أسمعت ؟ هذه كانت ستفقس االيلة ..
ويحين موعد غسل الرأس قبل أن  تتهيج فروة راسي وتتأذى من الكاز .
في اليوم التالي أنهض واخواتي بشعر كالحرير نشعر بخفة في رؤوسنا وقد غدا الشعر ناعما لكثرة تمشيطه ...
تضفره أمي ضفيرة طويلة تثير إعجاب مديرة المدرسة التي لم تكن لتمد يدها أبدا إلى رأسي وتمتدح نظافتي واعتناء أمي بي ....تقرصني في خدي وتتابع إخراج  التلميذات إلى  بيتهن وألا  يحضرن إلى  المدرسة إلا وقد نظفن الشعر  بالمشط العريض .

أسمهان خلايلة الجليل الفلسطيني
آب  2017

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق