الخميس، 7 سبتمبر 2017

إيحاءات/ بقلم الكاتب فؤاد حسن محمد/ سورية. جبلة

إيحاءات
حالة من الهدوء المفاجئ وغير العادي بسبب من الصمت ، شئ غير مألوف ، وقف شاحب الوجه  ، سخيف المنظر ، كان فمه قد تدلى نصف مفتوح من الخوف ، ولم يغلقه طيلة فترة النظر ، تقدم من الكأس متعباً مذعوراً، وكاد يصرخ بصوت دائري مجنون :
-من شرب الكأس مادمت موجوداً وحدي !!!!!!!!!!!
لكن أنة خافتة باكية ،تشبه  مخلوق صغير سحق تحت الأقدام ، دنت منه:
_أأأأأ...أأأأ؟؟؟؟؟
سمع صوت يشبه زفير الهواء ، يتوهج كسكين ، رفع ناظريه وتلفت ، عدم الإنصات  إلى  العالم الحقيقي ، كان طريقة لاستراق أصوات  أبعد وأكبر:
_ ما اّ اّ اّء ؟؟؟!!!!
استغاثة ساخرة متحدية ،بدت عنيفة كصوت صقر ، تبعتها قهقهات بعيدة تردد صداها خلف الصوت في الغرفة ، أشباح  تتأرجح قربه ، مخبئة نفسها مابين الستارة والنافذة.
ترنح على الكرسي ، لقد أنفرط عقده ، سوف يشعر بالخوف عندما يسدل الليل أستاره مادام وحده ، العبوس يعلو وجهه الذي أظلم ومال إلى  السواد،استدار فجأة نحو النافذة ، إنه لايعرف مصدر الصوت ، صراخ بألم ونفاذ صبر :
_ماا اّ اّ اّء؟؟؟!!!!!!!!!!!
اجتاحته ثورة مجنونة ، فجأة لمح صورة امرأة  احتلت مساحة النافذة ، وبحركة طائشة من يده حاول أن يبعدها ، بدت المرأة شكل متفرق بث الرعب في أوصاله ، لقد تمزق قميصها الباهت ، وتشعث شعرها بفعل الريح والغبار ، والحقد والإضطراب في عينيها ، وبدت وكأنها ستقتله ،حلت القماط الذي يشد طفلها ، وشدته إلى  صدرها ، وأعطته صدراً متدليا ليرضع ، وقد حملته بذراع واحدة .وهي تنوح:
_مات ابني ولم ألفه بالقماط
ولم أهدهد له السرير
ولم يشرب من صدري الحليب
تنهد الرضيع وتنهد ، نظر إليهما  بعينين  فزعة ، أشباح  تسللت في ظلمة الليل ، تساءل عمن مات كيف يعود ، طارت منه صرخة جبانة عبر الهواء في الغرفة ، عندها تذكر من هو الرضيع ومن هي أمه .
رجال متوحشة كالضباع ، ساقوهم كقطيع عبر الأرض  الجبلية الوعرة ، لقد واصلوا المشي حفاة أشباه عراة ،كان الرضيع مشدودا إلى  صدر أمه ، تلك الحزمة الباكية المدلاة على يدها عرقلت تحركها طيلة الوقت ،يرافقه  ذلك النحيب القاسي كوتر مشدود ، الرجال غاضبون منها ،وبخها بعبارته المتكررة :
_ انت عاهرة ملعونة
صرخت بألم ونفاذ صبر :
- ماء ....أريد ماء
نزع الرضيع من صدرها وألقاه بعيداً إلى  الأرض ، سمعت طقطقة عظامه ، لمحت أمه ماحدث ولهثت بعينين  باكية وصاحت :
_ أواه...أواه
علمت أن  ابنها مات ، كانت تنوح ، جلست على الأرض ، نكزها بقدمه كي تتابع المسير ، ولما رفضت ، قطع جسدها بالحجارة حتى نزف جسمها ، عندها انطلقت من  صرخة قاسية عبر الهواء في الوادي .
_ ماء....ماء؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
هو الأن خائف من الأموات ،وسوف يشعر بالخوف كلما كان وحيداً ويسدل الليل استاره خلفه، خائف من الأرواح الطيبة التي تطوف في السهول والتلال ،وهي تصرخ :
_ماء...ماء

فؤاد حسن محمد- سورية -جبلة - سوكاس

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق