الاثنين، 4 سبتمبر 2017

مناقشة ورأي حول اللغة العربية / بقلم الأديب والشاعر حسن منصور/ الأردن .الزرقاء

مناقشة ورأي حول اللغة العربية:
=================
طرح أخي الفاضل الأستاذ الدكتور سلطان المعاني (قضية للنقاش)، ولا شك أنها قضية مهة جداً. وفيما يلي نص ما تفضل بطرحه متبوعاً بوجهة نظري فيه، والله الموفق:
-----------------------------------------------------------------------------
[قضية للنقاش:
انبساط الهوية الغربية!
يرى ارنست رينان أن اللغات السامية لم ترق إلى مستوى اللغات الآرية في بناء الجملة، فهي عاجزة في الصياغة والتصريف وصيغ الكثرة، لا صور فيها، وتتمتع بضحالة حرمتها من التجريد الذهني والفكر الماورائي والإبداع، وأن جُل ما أجاده أصحابها الساميون التعبير عن الطابع الإنفعالي، فكان الشعر منبرهم الذي لا يدانى، وقد برعوا في موسيقاها لأنها والشعر وليدة اللحظة والوجدانية الذاتية.]
------------------------------------------------------------------------------
وفيما يلي وجهة نظري:
===============
*****
أعتقد أن رأي هذا المستشرق (رينان) غير دقيق وغير موضوعي ولو تلبّس بلبوس العلم والعقل، وكان من واجبه أن يتبع منهجاً علمياً يقوم على ركيزتين إحداهما ميدانية (تاريخية) والثانية رأسية؛ أو بمعنى آخر: الأولى أفقية استقصائية للواقع، والثانية تحليلية رأسية، ولكن لا أعتقد أنه فعل ذلك حتى يقنعنا بحجج واضحة لا تقبل النقض أو الشك.
وأقصد بالركيزة الميدانية (التاريخية) أن يتناول بالدراسة تراث اللغة العربية ليس فقط في مجال الأدب (أي الشعر والنثر بفنونهما القديمة والحديثة)، بل كل ما في اللغة العربية من إبداعات وابتكارات فكرية وفلسفية وعلمية في شتى صنوف النشاط البشري سواء النظري أو التطبيقي، وهي من إنتاج الناطقين بالعربية، كما كان على رينان أيضاً أن ينتبه إلى ما استوعبته اللغة العربية من ترجمات عن اللغات الأخرى (كالإغريقية وغيرها) في الفلسفة والمنطق والعلوم المتعددة التي نقلها المسلمون إلى العربية وحفظوها وأضافوا عليها وكانت هي الأساس الصلب الذي بُنيت عليه الحضارة الأوروبية الحديثة... والسؤال الذي يطرح نفسه بحق هو: هل هناك باحث منصف وواعٍ تغيب عنه مثل هذه الحقائق العلمية التاريخية الموضوعية التي لا مراء فيها ولا يلغيها التجاهل؟!
وأما الركيزة الثانية التي كان من واجب رينان أن ينتبه لها وأن يقيمها فهي الركيزة الرأسية (كما أسلفنا) وأعني بها أنه كان من واجبه أن يتعمق في دراسة اللغة العربية وعلومها المختلفة لكي يعرف إمكانياتها الكامنة ومرونتها الكبيرة ومدى قدرتها على مواكبة الفكر والإبداع والإبتكار في كافة المجالات الحياتية للإنسان، وماذا يعرف رينان عن اللغة العربية وعن التوسع فيها وعن الحقيقة والمجاز وعن الاشتقاق والتوليد والنحت والوضع والتعريب وغيرها وغيرها من طرق ووسائل النموّ والتطور والتطوير اللغوي في لغتنا حتى يحكم عليها بهذا الكلام السخيف الذي نشم منه رائحة الإستعلاء البغيض والذي هو امتداد لعقدة (تفوق العرق الآري والعرق الأبيض إجمالاً).
وهذا ليس غريباً فبعض المستشرقين يقولون أكثر من ذلك إذ يصفون العرب بأنهم سطحيون وأنهم (من حيث القدرة على التفكير) ليسوا في مستوى الشعوب الأخرى التي ظهرت فيها الملاحم وظهرت فيها الفلسفات... ومثل هؤلاء المستشرقين يتجاهلون طبيعة بلاد العرب الصحراوية والفروق الشاسعة بين إيكولوجيا جزيرة العرب وبين غيرها (كاليونان وبلاد فارس مثلاً).... إن الواقع اللغوي في كل المجتمعات يشهد بأن اللغة تعز وتزدهر بازدهار الناطقين بها، والعكس صحيح.. ولا يمكن أن نقبل بقول من يقول (تعالماً ينضح بالجهل) بأن لغتنا العربية سبب من أسباب تخلفنا.. ولذلك فهو يريد حروفاً لاتينية أو يريد لغة أجنبية بدلاً من العربية، بل الصحيح هو العكس تماماً؛ أي نحن نريد عرباً نشيطين يعملون ويفكرون ويبدعون ويبتكرون ويكتشفون وأيضاً يكتبون معبرين بصدق عن مشاعرهم الإنسانية بحلوها ومرّها، لأنه سوف ينتج من كل ذلك توليد ألفاظ جديدة وعديدة هي مواليد تثري اللغة وتضخ دماً جديداً في القائم منها وتجدده، فاللغة مرآة تعكس تقدم مجتمعها وتخلفه، أو هي مؤشّر صادق أو هي اختزال لما فيه من النشاطات الحضارية المتعددة... فالعيب ليس في اللغة وإنما كل العيب في الناطقين بها والذين رضوا أن يكون اسمهم في ذيل قائمة أسماء الأمم المتحضرة .... والله تعالى أعلم

الأديب والشاعر حسن منصور
الأردن الزرقاء

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق